سوف ضاربةٌ في القِدم راسخة القَدَم
تعاقبت عليها الدهور الجيولوجية إلى أن صارت على ما هي عليه الآن ، واحة وسط محيط من الكثبان غطّت رمالها الذهبيّة ذلك النّهر
القديم الذي اندثرت معالمه منبعه الهقار ومصبه شطّ الجريد أو خليج قابس فمن الرّمل والماء إستمدت هذه المنطقة تسميتها وادي سوف.
فمنذ الأحقاب السّحيقة إنتمت وادي سوف جيولوجياً إلى كتلة البلورية وبعد
تعرض سلاسلها الجبلية للتعرية إجتاحتها مياه البحار القديمة
التي كادت
تغمر كامل الرقعة الصحراوية ولكن المياه انحسرت أثناء العصر الفحمي و مع
بدء عصر الأيوسين خلال الحقبة الجيولوجيّة الثالثة
تعرضت الصحراء لعوامل التعرية الجوية التي أثرت على تضاريسها فطبعتها بطابعها المميز زحف التصحر و اختفت بعض الحيوانات و ما بقي
تكيّف و تأقلم لم تعدم الصحراء أسباب الحياة قديما من ماء وعشب وفرا العيش
لأنواع من الحيوانات فرس الماء ، الزرافة ، الفيل ففي منطقة
وادي سوف ترك العصر الجليدي علامته ( الهيكل العظمي لفيل الماموث1957 شرق حاسي خليفة) وخلّف العصر الحجري حجارته صوان
مسنون وأدوات وسهام تشهد بتعاقب الحضارات وأثر الأيام .
هذه آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
و أنت تتصفح تاريخ سوف القديم و تتلمس أحقاب الأزمنة ووقع أقدام البشر فوق هذه الأرض تقف على تاريخ شعوب سادت ثو بادت و
هجرات مرّت و شعوب استقرت .
رومان تدلّ عليهم آثارهم ، قرى بنوها ونقود فضية و نحاسية عثرنا عليها.
بيزنطيون دلت عليهم أديرتهم.
فينيقيون مارسوا تجارتهم ومن هنا مرّت قوافلهم.
منطقة إستوطنها بربر زناته عاشوا فيها حياة البدو الرُحل ، وفتح إسلامي رفع فوق هذه الديار رايته .
وعرب اقحاح حطوا هنا رحالهم إستظلوا تحت لواء الدولة الإسلامية و سوف في الحضن باقية و للعهد صائنة .
فمن لواء على لواء ومن راية إلى أخرى فمن بني رستم إلى الأغالبة ومن
الفاطميين إلى الموحدين وسوف تنهل من المعين عروبتها وإسلامها ،
و لما سقطت الخلافة العثمانية و جاء المستعمر جحافل ظلام تزحف يريد أن يخرج هذه الديار عن جلدها كان لسوف معه حديث آخر.
على طريق القواقـــــــــــــــــــــل ...
إذا كانت الحاجة أم الإختراع فإنّ أهل سوف كسروا طوق العزلة عنهم عن طريق التجارة فاخترعوا الطرق وسط أكبر عرق مستعص وسيروا
القوافل وصدّروا البضائع .
تشهد عن ذلك طرق وشعاب ، آبار وبلدان ، امصار دانية وأخرى قاصية ، باعوا وقايضوا ، فمع الزاب ، خنشلة وتبسة قمح و شعير .
وإلى غدامس بليبيا و قادس بالنيجر و كانوا بنيجيريا ، وتمبكتو بمالي
حملوا قوافلهم تمرا وتبغا ، قماشا وصوفا وملحا لتعود قوافلهم بالتبر و
العطور بالعاج و الجلود بريش النعام و البخور وما عدا ذلك كثير.
وهم على ما هم عليه و ما أشبه الليلة بالبارحة يضربون في كل الأمصار يبيعون ويشترون ، يصدّرون ويستوردون ولو أن حاجات اليوم عن
الماضي تختلف ولكنّ السوفي مع كل عصرٍ يأتلف !
وكم كان سوف لضمّ الصفوف وجمع الشتات الحريص الأمين
لم تتوان في أن تكون للثورة حصنا و معقلاً و للسلاح درباً موصلاً و لقوافل الثوار مددا وموردا .
فمن مظاهرات 1918 و 1938 إلى قوافل المنظمة السريّة تجلب السلاح وتدفع بتيار الكفاح سلاحاً و أدوية و تموينا إلى حزب الشعب الذي
أيقظ ووعى ، درّب و أشع خلايا و لجاناً في القرى والمداشر .
ففي كل مدّ ثوري لسوف يد و في كل مكرمة لها مجال سلاح يلعلع و قلم يشعشع فمن جريدة الدفاع (الأمين العمودي 1934) إلى جريدة
الليالي (1936 علي بن سعد القماري و حمزة بكوشة ) إلى جريدة المغرب العربي 1937.
وغير ذلك كثير وكثير شيوخ أجلاء كان لدويهم بين أحضان جمعية العلماء فها هو العمودي و عمار بن لزعر و حمزة بوكوشة أعضاء مؤسسين
يقارعون بالصحيفة و القلم بإحياء الهمم و فوج كشفي للرمال في بلد الرمال يربي الناشئة و يشد الآصرة .
و يا وادي سوف العرين الأمين و معقل أبطالنــــــــــــا الثائريــــــن
من فلذات أكبادها و زهرة شبابها دفعت سوف إلى الثورة دماءً فوّارة و إرادات ثائرة جبارة تأبى الظلم ولا تنام على ضيم.
إنهم شهداء سوف سرج الأرض بل نجوم السّماء كوكبة من الشهداء منطلقها تلبية النداء و مستقرها جنان بعرض السماء !
عن أيهم تتحدث فكل واحد منهم أسطورة كفاح و جميعهم بقامة الجبال الشمّ في عزة و شمم تسابقوا على الفوز بغنيمة الفداء .
الطالب العرب طالب للشهادة و عربي النشأة والخيلاء.
السعيد عبد الحي سعيد وحي ومن قال إن الشهداء يموتون؟
بن عمر الجيلاني شهيد اضاف إلى عمره أعمارا.
حمة لخضر يعشق الجنان لأنها خضراء و غير هؤلاء البررة كثير إذا هم آثروا أن يسكتوا فلهم في كل قلب موقع !
فسوف في ثورتها على المستعمر مزجت بين السائلين الكريمين مداد طهور ودم يفور.