حوار خاص مع أول عربي يكتشف علاجاً فعالاً للإيدز
البروفيسور "كمال صنهاجي"
· اهتمامي بالسيدا نتيجة منطقية لتكويني الجامعي والعلمي
· جاك شيراك منحني وسام الشرف نظير إنجازاتي في البحث العلمي
· توصلنا إلى تحويله من مرض قاتل إلى مرض يكاد يكون مزمنا فقط
مرض العصر.. السيدا.. أو داء نقص المناعة المكتسبة.. يقتل ملايين البشر.. بحوث مستمرة ودراسات وتجارب معمقة في كل قطر من العالم .. من أجل إيجاد عقار فعال يوقف زحف هذا المرض القاتل.. ويعطي أمل الحياة لأشخاص محكوم عليهم بالموت بعد شهور أو أيام وربما ساعات.. فهل يوجد دواء لهذا الداء الخطير؟.. ومتى سيُكتشف؟.. وهل ستتغير الأمور بعد هذا الاكتشاف؟
بخصوص هذا الموضوع كان لنا لقاء مع البروفيسور الجزائري "كمال صنهاجي" الذي أحدث ضجة كبيرة باكتشافه علاجاً لمرض نقص المناعة (الإيدز).. وتحدث عن اكتشافه هذا كل العالم.. فقد أحدث خطوة عملاقة في عالم الطب لم يسبقها إليه أحد من قبل.. وعن هذا الاكتشاف الذي استغرق منه خمس سنوات بحثا ودراسة وتجارب متواصلة.. كان لنا معه حوار خاص وحصري .. تحدث لنا عن بداياته ومسيرته الدراسية حتى بلغ أعلى الدرجات العلمية واستطاع أن يُحقق إنجازاً باهراً.
- الكثير منا لا يعرفون عن الباحثين العرب اللامعين في العالم إلا الأسماء .. فمن هو البروفيسور "كمال صنهاجي"؟
* أنا من مواليد 5 سبتمبر 1954. دراستي الأساسية تمت في العاصمة الجزائرية، وفي مدينة "القبة" بالتحديد، وذلك إلى أن حصلتُ على شهادة الثانوية العامة. بعد ذلك، في سنة 1975 تنقلت إلى مدينة "ليون" الفرنسية، حيث تابعت دراساتي العليا وفي هذه المدينة، حصلت على دبلوم من معهد الطب والصيدلة، سنة 1984. وبعد ذلك، حصلت على شهادة دكتوراه الدولة من جامعة "ليون 1" سنة 1987.
حالياً أشغل منصب "مدير دراسات" متخصص في ""، إضافة إلى كوني أستاذاً جامعياً منذ سنة 2002، وأمارس الطب في مستشفى "إدوارد هيريو"(Edouard Herriot) بمدينة "ليون" نُشرت لي بحوث في مجلات علمية عالمية.
* هل بإمكانكم إعطاؤنا فكرة عن مساركم الجامعي، وخاصة بداياتكم في مجال البحث العلمي؟
- فيما يتعلق بمساري المهني، أود التنويه بالتالي: في سنة 1981 أجريت تربصاً في مختبر متخصص في البحوث حول نقصان المناعة، يشرف عليه البروفيسور "جان لويس توران"، وهو متخصص معترف به عالمياً لبحوثه في مجال نقص المناعة، وكذا في مجال زرع الخلايا الجنينية وبعدها، كُلِّفت بالإشراف على البحوث المتعلقة بنقص المناعة لدى الطفل، وبالبحوث حول السيدا عموماً.
حالياً، أشرف على مختبر "البروفيسور توران" بمعهد الطب، في جامعة "ليون1" وكذا في مستشفى "إدوارد هيريو". وفي عام 2000 تمكنّا في المختبر من تخفيض نسبة فيروس السيدا في دم فئران التجارب، وذلك بفضل "العلاج الجيني" (Therapie genique). من مؤلفاتي المنشورة: "السيدا: أسلحة وأمتعة" سنة 1996. كما نُشرت لي بحوث في العديد من المجلات العلمية العالمية .
* عند ظهور "السيدا" في العالم، كان المواطن العربي يعتقد أنه بمنأى عن هذا المرض الفتاك. ولكن، أنت كجزائري تنتمي إلى الوطن العربي .. فما هي الأسباب التي دفعتك إلى تكريس بحوثك وتجاربك العلمية بُغية التوصل إلى علاج نهائي لهذا الداء القاتل؟
- الواقع أن اهتمامي بالسيدا نتيجة منطقية لتكويني الجامعي والعلمي، مما دفعني لإنجاز بحوثي في هذا المجال. وفعلاً، لقد انصبّ اهتمامي في البداية على البحث في مجال نقص المناعات الجينية لدى الأطفال. وبعد ذلك، لمّا تم اكتشاف أول حالة للسيدا في الولايات المتحدة ثم في فرنسا، سنة 1981، لاحظنا أن المرضى المصابين بهذا الداء يعانون من نقص شديد في المناعة، تماماً مثل النقص الذي يعاني منه بعض الأطفال لأسباب جينية. غير أن الشيء غير الاعتيادي الذي لفت انتباهنا حينها، هو تعرض الراشدين لهذا النقص في المناعة! عندها، قمنا ببحوث حول أسباب نقص المناعة، واكتشفنا بسرعة في هذه الظاهرة عاملاً قابلاً للانتشار (Transmissible). وقد تم ذلك في باريس، سنة 1983، على يد البروفيسور "لوك مونتانييه" (Luc Montagnier). وبالفعل، كان ذلك التشابه المحيّر بين النقص الجيني للمناعة ونقص المناعة المكتسب لدى الراشد هو الذي أسهم في توجيهي إلى هذا المسار في البحث العلمي.
العلاج الجيني
* "العلاج الجيني" (Therapie Genique) هو ثمرة بحوث متقدمة قمتم بها للقضاء على السيدا، أو على الأقل التخفيف من آثاره .. هل يمكنكم أن تشرحوا لنا ما هي الإضافة التي قدمتها طريقتكم العلاجية في مكافحة السيدا؟ وما الذي يميزها عن اللُقاح المضاد لفيروس فقدان المناعة الذي طال انتظاره؟
- تطور البحوث حول السيدا، أدى إلى طرق علاجية فعالة جداً، وهي عبارة عن مجموعة من الأدوية. ولكن، بالرغم من أن هذه الوسيلة العلاجية كبيرة النفع، إلا أنها تصطدم في بلداننا بمشاكل متعلقة إما بمناعات مكتسبة من طرف الفيروسات نفسها، أو بآثار جانبية للأدوية، أو بهشاشة الوسائل المادية في البلدان التي هي في طريق النمو. ومن هنا، فإن النتائج الواعدة للتجارب التي أجريناها على الحيوانات المخبرية، عن طريق العلاج الجيني المضاد لفيروس فقدان المناعة، تفتح أبواباً واسعة للأمل.
والطريقة التي توصلنا إليها في هذا المجال تتمثل في التالي: إحداث جُزيء اصطناعي (Molecule artificielle) في جسم المصاب بالسيدا، مهمتها "مخادعة" الفيروس. بحيث يركز هذا الأخير على الجُزيء المخادع (ويسمّى: CD4)، بدل توجهه إلى الجُزيء الذي يُفترض أن يقصده. والبحوث الجارية حالياً، هي التي ستُحدّد أفضل الطرق لاستعمال هذا العلاج من طرف الإنسان، وكذا مدى جعل فعاليته مستمرة.
الاكتشاف إنجاز كبير !
* في حوارات سابقة لكم أعلنتم أن طريقتكم العلاجية لن يمكن تطبيقها على الإنسان إلا بعد خمس سنوات لماذا كل هذه المدة؟ هل يعود السبب إلى نقص الوسائل المادية؟ أم أن الأمر يتعلق بمدة تفرضها الضرورة العلمية لتتويج مشروعكم؟
- "علميا" هذه المهلة غير قابلة للضغط، إذ تمثل الوقت الضروري الذي يخوّل اكتشاف الآثار الجانبية المحتملة لهذه الطريقة العلاجية. كما تجدر بي الإشارة إلى أن هذه المهلة ليست بالمديدة في مجال البحوث العلمية، خاصة عندما نعلم أن هناك أمراضاً خطيرة تم التعرف عليها قبل السيدا بكثير (مثل: السرطان والسكري)، ومع ذلك لم تحظ بجهود كالتي نبذلها في مجالنا بل لو استحضرنا تاريخ الطب بكامله، للاحظنا أن مرض السيدا هو الأكثر استفادة من نتائج علاجية سريعة ومفيدة إذ أننا الآن، ومنذ اكتشافه سنة 1981، توصلنا إلى اكتشاف أدوية حولته من مرض قاتل إلى مرض يكاد يكون مزمنا فقط. وهذا في حد ذاته إنجاز كبير على مستوى البحوث العلمية!
* هل لـ "العلاج الجيني" آثار سلبية على المصاب بالسيدا؟ وما هي؟
- لن نتعرف على ذلك بدقة إلا بعد إجراء تجارب عيادية على المصابين في مرحلة أولى، ستُجرى هذه التجارب على المرضى الذين ــ للأسف ــ لم تُفد فيهم كل الطرق العلاجية المتوفرة، والذين لا يملكون حلاً آخر لتحسين وضعهم الصحي. ثم في مرحلة لاحقة، ستطبق طريقتنا العلاجية بشكل وقائي، لأنه سيكون لها دور شبيه باللقاح (Vaccin).
* ما هي المدة التي استغرقتها بحوثكم قبل التوصل إلى تجسيد النتائج التي نعرفها؟
- لقد تطلب الأمر وقتاً طويلاً.. هو في الحقيقة ليس بحثاً واحداً، بل مجموعة من البحوث المتتالية تتوجت بنتائجها الحالية، ولم تكن إطلاقا نتيجة الصدفة. كما أنها سلسلة طويلة، تتشكل من عدة حلقات بشرية أما عن المدة الفعلية، فقد بدأت بحوثي في هذا المجال منذ سنة 1981 وأنا بهذه المناسبة، أغتنم الفرصة للنصيحة باستثمار الشباب، وذلك منذ التعليم الأبتدائي، لتكوين أطفال متمدنين، يقومون بدورهم بما يقتضيه نقل الشُعلة إلى الآخرين .. ولعل هذا هو الشرط الوحيد الذي سيسمح لنا من تسجيل أنفسنا في تاريخ الأمم، ولا مناص لنا من الأخذ به.
* هل حظيتم بدعم مالي من دولة، أو تنظيم، أو مؤسسة ما؟
- في فرنسا نحظى بدعم من الحكومة ، ولكن الميزانيات المخصصة لدعم البحث العلمي تظل قاصرة، كما هو الشأن في باقي الدول. وذلك يعود إلى أن البحث العلمي يتطلب إمكانيات مالية هائلة، بينما مردوده النافع لا يرى أثره إلا في وقت لاحق. ونظراً لذلك، فإننا إضافة إلى الدعم الحكومي، نتقبل الهِبَات والعروض التي تأتينا من طرف الخواص.
* علمنا أنه تم تكريمكم من طرف الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" الذي منحكم وسام الشرف ؟
- التكريم الذي خصّني به الرئيس "جاك شيراك"، بمنحي وسام الشرف نظراً لإنجازاتي في البحث العلمي وأنا مُقرّ له بالجميل بهذا الصدد، لأن الاعتراف للآخرين بإنجازاتهم له قيمة رمزية عظمى. هكذا ينبغي أن تكون الدولة: ترتكز على ثقافة قائمة على الرموز.. تحترمك، وبالتالي تحترمها.
الاكتشاف سمع به العالم كله
* كيف تمّ تلقي خبر اختراعكم خذا على المستوى العالمي؟
- الاكتشاف سمع به العالم كله. وقد حصلت على شهادة براءة اختراع (Brevet) في الولايات المتحدة الأمريكية.
* في الأخير نشكركم على تخصيص جزء من وقتكم الثمين لنا ونتمنى لكم كل التوفيق في إنجازاتكم العلمية.
