.خذ الكتاب بقوة....
كم تتعبني تلك النظرة الضيقة لدين اتّسم بالشمولية والكلية, دينٌ دعا أصحابه أن يأخذوا به بقوة ,ويطبقوه كلاً لا جزءً..
وكما يريد الله لا كما يهوونه هم ويريدونه ويتذوقونه!
لاشك إنّ هذا هضم لحق الإسلام ,وتهميش لجوانب مهمة من الدين, أمضى النبي صلى الله عليه وسلم عمره ,ليبينها ويجلّيها لأتباعه.
وفي المقابل ,لانستطيع أن نقول أن تلك الأمور, ليست من ديننا أو أنّها لا أهمية لها, إذ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أصحابه,وسنته وسيرته خير شاهدٍ على ذلك ..
ولقد قادهم لدين الله في الصغيرة ,فلم يغفلها توجيها وإرشاداً ونصحاً ,كما أوصاهم بالعناية والاهتمام بأصول الدين وقواعده التي يقوم عليها بناءه..
وحين ترى أنّ هناك من الناس من يجعل الدين كله مقصوراً على الجانب الخلقي ,وكأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبيّن إلا هذا الجانب ولم يعتنِ إلا بهذا الجانب في دعوته..إنك لتعجبُ عجباً من صنيعه!
ويعظُم عجبُك حين ترى منه خللاً جلياًفي أمرٍ هو من أساسيات الدين وأصوله,إذا لم يكن من واجباته ومهمّاته ,فتراه مثلاً يأتي بما ينقضُ توحيده من الشركيات أوما يشوبه من البدع والمعاصي الكبيرة..
حينها تقف مشدوهاً..فتستغلق عليك الإجابة..لماذا؟
وكذلك ,إذا رأيت من يعظِّم العقل والفكر,,ويسوق لك النصوص الآمرة بالعناية بالفكر والتفكر,وتقليب النظر فيما حولنا ,حتى يزيد الإيمان ويكتمل بناءه في هذه النفس..
ثم تراه يضعف في تطبيقه لِما دعا إليه ,ذلك حين يلتقي النص والعقل في ميدان حكمه وتحكيمه , -أعني عقله المحكوم بالهوى -,فيتصادم مع قول الله وقول ورسوله,فيرد ماقاله الله وقاله ورسوله وتنفر نفسه,وتستوحش من قبول الحقّ والإذعان إليه ,بحجّةأنّ عقله لم يقبله, ولم يره من قائمة معقولاته..!!!
إنّ العقل الذي لم تُصبه لوثة الهوى ,هو العقل الصريح الذي أذعن لمولاه واستسلم لنصوص الكتاب والسنة بنفسٍ منشرحة لأمر الله ورسوله,فلم يُعارض النصّ بشهوةٍ تضعف إرادته أوشبهةٍ تصدّه عن قبول الحق.وإلا مافائدة معرفتنا بأنّ من شروط( شهادة ألا لاإله إلا الله محمداً رسول الله).!!التصديق بأخبار الله ورسوله والإذعان لأحكامهما..؟!
إنّ العقل الصحيح الذي سلم من داعي الهوى,فلم يجعله حكماً له دون مولاه وسيده, لايمكن أن يتعارض مع النّص الصريح المنزّل من لدن حكيم خبير ..فهل عُقلَ هذا؟
وكذلك إذا ما رأيت من تقُصر همّته وعنايته بالعمل الخيري وجمع الصدقات ,والقيام بالجانب الاجتماعي ,ويفني عمره في هذا الجانب ,وقد ترى منه صوراً لا تعجبك ,فلر بما تفاجأت بأنّه لا يُحسن صلاة ولا وضوءً ,ولربما صدمت بأنّه واقع في عظائم الأمور , فيغرّه شيطانه بأنك مادمت على قضاء حاجات الناس, فأنت على خير ,وفي خير ,حتى لو فرطّت في جنب الله..!!!
وحين نرى من يختزل هذا الدين في صورة ٍ واحدة ,هي الدعوة إلى الله,ويجعل الدعوة هي أولى مهماته,وتراهُ يستدل بالأحاديث التي تبيّن فضيلة الدعوة ومكانتها.
.
و لايفهم من هذا, التقليل من قيمة الدعوة,أبداً..
إنّ الذي يقلل من قيمة الدعوة ومكانتها وشرفها ,ماعرف حقيقة الدين الذي جعل الدعوة إلى الله كبرى ثمراته ,بل الوظيفة الشريفة التي هيأ الله لها أشرف خلقه من أنبيائه ورسله ,فاصطفاهم على عينه ,ليخرجوا الناس من ظلمة الكفر إلى نور الإسلام..
ومن ضيق الدنيا إلى فسحة الاخرة..
وكل من سار على طريقهم في الدعوة إليه ,كان معهم وتبع ٌ لهم "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ٍ أنا ومن اتبعني"
لكن أن ترى من يدعو إلى الله ولايحمل زاداً لها إلا العاطفة والحماس وحب الخير!!
لاشك أنّ هذا وحده لايكفي في القيام بمهمة الرسل..والسير في طريقهم!!
إنّ مهمة الدعوة لابد لها من شروط ,منها :الإخلاص ,والعلم بما يدعو إليه الداعي إلى الله, ومن الذي يدعوه؟وكيف يدعو؟
فكم أضلّ غيرهُ من لم يُحسن هذه المراتب التي هي شرطاً لصحة الدعوة, فأفسد من حيث أراد إصلاحاً..وقادَ الناس إلى غير طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم..فضلّ بنفسه وأضلّهم..
فهل ياترى يُعذر بحماسه وجهله..!!!
هلاّ فقه فيما يدعو إليه وأحسنه ثم دعا الناس إليه..ولو كان آية أو حديثاً!!
فليست العبرة بالكثرة ,إنّما بالصواب والموافقة!!
ومن الصور المؤلمة أيضاً أن ترى أناساً حسُنت عنايتهم بظواهرهم,فأقاموا الشريعة على أنفسهم ظاهراً في هيئاتهم ولباسهم فترى هذا ملتحياً وتلك ترتدي الحجاب المأمور به , فإذا ما اقتربت منهم نفرتَ من أخلاقهم ,التي توقعك في العجب فتقول .. ترى ما أثمر الإيمان!؟
فتراهم يجتهدون في الاحتيال على الله ,يظنّون أنّه لا يراهم, فيظهرون حسناً وقد بيتوا خبثاً , ألم يعلموا بأن الله يرى؟!
وفي جانب تعاملهم مع الخَلق ,حسُنت منهم الأخلاق مع من يرجون نفعه وعائدته,وأمّا من يُزاحمهم في معاشهم أو يفضلهم ويفوقهم ,فتراهم يناصبونه العداء..
ويقعدون له بكل طريق يتربصون به ,إن لم يقطّعوه بأنيابهم... حسداً وحنقاً..
فأين هذا ممّا دعا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم وحذّر منه..!!
ويعظم الأسف في نفسك, حين ترى من رأي دين النبي صلى الله عليه وسلم في جانب العبادة فرضاً ونفلاً..فتراه يجري على نفسه العبادات الظاهرة..
-وهو مأجورٌ على ذلك مأمورٌ به-ولكنّه لم يفطن لنفسه يوماً فيتفقد قلباً بين جنبيه ,كيف هو مع ربه؟ هل هو مخلص- صادق في سيره إلى الله!!
هل عمله لله؟أم خالطه ما يشوبه ويفسده؟
هل خوفه مقصور على مولاه وسيده,أم أنّه التفت إلى الخلق ,فخاف هذا ورجا ذاك!!
كيف هو انكساره ,واعترافه بتقصيره لمولاه..
أليست هذه هي العبودية الحقّ ..أم أننا أمرنا بصلاح الظاهر دون الباطن!!
كم ندعو لفقه الأولويات, وفي ميدان التطبيق لانحسن الأخذ بالأولويات!
وكم ندعو للأخذ بدين الله والتمسّك به ,لكننا حين نأخذ به ,لا نأخذه بقوّة ..!
وكم ندعو لرؤية جمال الدين بشموله وكليته في أحكامه وتشريعاته ,وحين نطبّقه تضيق أبصارنا على رؤية الدين فنحصره في دائرة الجزء دون الكل..!
إنّها دعوة لأخذ الدين كلّه.وبقوّة.وفَهم الدين بشيء من الشمولية والاستعانة بالله على تطبيقه والعمل به على مراد الله ومراد رسوله, كما أمرالله ورسوله..