بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أهمية معرفة سبب النزول
ان للوقوف على سبب النزول أهمية كبيرة في التعرف على مدلول الآية ومفهومها ، ووجه الحكمة الباعثة على تشريح الحكم ، أذ كما قيل ( العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ). ولاشك أن صياغة الآية وطريقة التعبير عنها يتأثر إلى حد كبير بسبب نزولها . فالإستفهام مثلا لفظ واحد ولكنه يخرج إلى معان أخري كالتقرير والنفي وغيره ولا يفهم المراد إلا بالأمور الخارجية ، والقرائن الحالية.
وأكثر المفسرين قدرة على أتقان التفسير وتحقيقه أكثرهم علما بأسباب النزول ، ولهذا كان أمير المؤمنين الامام علي (ع) : أقدر الناس بعد رسول الله (ص) على تفسير القران، لإحاطته علماً بأسباب النزول ، وهو القائل : (والله لم تنزل آية ألا وأنا أعلم فيما نزلت ، وفيمن نزلت ، وأين نزلت) . وروي معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت عليا يخطب يقول : سلوني، فوالله لا تسألون عن شئ ألا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آيه الا وانا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل ام في جبل)(1).
أن لمعرفة الزمان والمكان والأشخاص وسائر ظروف ( قصة) الآية أو السورة أكبر تأثير على سبر غورها واماطة للثام عن مكنون مرادها.والعكس بالعكس ، فالجهل بتلك الأمور يؤدي إلى تعطيلها ، ولربما العمل بخلاف مؤداها ومرامها . قال الواحدي ( لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقود على قصتها وبيان نزولها )(2).
وفيما يلي الأمثلة لبيان أهمية معرفة سبب النزول:
1ـ قوله تعالى: (والله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله أن الله واسع عليم) (البقرة /115).
والمتبادر من مدلول الفاظ الآية ، ومن ظاهر سياقها ، أن المصلي له أن يصلي إلى آيه جهة كانت في السفر والحضر ، فلله المشارق والمغارب ، فأينما يولي المصلي وجهه فقد توجه إلى الله تعالى ، وهذا خلاف الاجماع ، وهو يتعارض مع قولة تعالى : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام...) (البقرة/144).
وبالتعرف على سبب النزول يتضح إنها ( نزلت في صلاة التطور وعلى الرحلة ، تصليها حيثما توجهت اذا كنت في سفر . وأما الفرائض فحسب قوله تعالى : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطرة ...) (البقرة / 150).
2ـ قولة تعالى: ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا ...) (المائدة / 39). فقد حكي أن البعض كان يقول أن الخمرة مباحة ، ويحتج بالآية لجهلة سبب نزولها(4).
3 ـ قوله تعالى: ( ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما...)(البقرة / 158).
فظاهر الآية هو رفع الإثم، ونفي الحرمة، عمّن يسعى بين الصفا والمروة، وأن السعي سائغ وليس فيه حرمة، وليس في ظاهر ألفاظ الآية ما يفيد وجوب السعي. وهذا فهم من لم يقف على سبب نزولها.
والقصة أن بعض الصحابة تأثّموا من السعي بين الصفا والمروة لأنه من عمل الجاهلية فنزلت الآية، لنفي هذه الفكرة من جهة، ولاعلان ان الصفا والمروة من شعائر الله من جهة أخرى. فمن يجهل سبب نزولها يجهل الغرض من طريقة التعبير الذي جاءت به الآية، وبالتالي فإنه سيجهل وجوب السعي بين الصفا والمروة، ويعتبره أمراً سائغاً لمن أراده.
قال ابن عباس: (كراهية المؤمنين للطواف بين الصفا والمروة من قبل الصنمين اللذين كانا عليهما فقال ـ تعالى ـ (ان الصفا والمروة) يقول الطواف بين الصفا والمروة ( من شعائر الله) مما أمر تعالى به من مناسك الحج).(5)
ومن هذه الأمثلة يمكن تلخيص أهمية معرفة سبب النزول بالأمور التالية:
1 ـ معرفو وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
2 ـ الوقوف على المعنى المراد.
3 ـ معرفة ما اذا كان اللفظ عاماً ويقوم الدليل على التخصيص.
-----------------------------------------------
1 ـ السيوطي: الاتقان ج 1 / 187.
2 ـ الواحدي: اسباب النزول ص 4.
3 ـ الطبرسي: مجمع البيان ج1 / 191، ابن كثير: التفسير ج 1 / 158 السيوطي: الاتقان ج1 / 29.
4 ـ من هذه القصة نعلم مدى حيطة المسلمين الأوائل وتجنبهم كل أعمال الجاهلية وتحسسهم ووعيهم واخلاصهم للإسلام.
5 ـ تنوير المقايس تفسير ابن عباس: مطبوع هامش الدر المنثور للسيوطي ج1/70
دمتم في حفظ الله و رعايته
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته