شكرا للدم التونسي الطاهر، المصوب نحو الحرية والكرامة، وهو ينزع عنا جلد الهزيمة والخنوع.. شكرا للحناجر التونسية التي بحت وهي تكرر في سماء تونس: "إذا الشعب يوما أراد الحياة.." فتنتشلنا من قعر اليأس والاحباط.. شكرا لتونس الخضراء الحلوة الزهية، وهي تتوج رائدة لنهضة الشعب العربي، الذي وجد فيها نبضه وهمه وأمله وقدوته، فبدأت طلائعه تتململ لتشعلها ثورة محترمة ناضجة، ضد مصاصي دم الشعب وناهبي قوته ومهيني كرامته..
وحتى يكون للشكر قيمة، فلابد من ذكر النعم العظيمة التي فاض بها نهر الثورة المبارك، داخليا وخارحيا، حتى أصبحت نعمها العاجلة رغم صغر عمر الثورة إنجازا شاملا، فوجب الشكر.
فداخليا، ها هم التوانسة كما لواننا لم نعرفهم قط.. يتقدمون لصناعة المستقبل العربي باقتدار، مسجلين نقطة التاريخ المفصلية، بين ما كان وما سيكون.. ها هم في الشوارع وعلى شاشات التفزيونو وعلى صفحات الجرائد وعيًا ونباهة وحيوية وتحضرا.. وجرأة وثورة وتماسكا وتعاونا وتشبثا بالجوهري وعدم انزلاق للفرعيات.. ها هم في مدرسة الثورة يبدون احترافا ينال منا القلوب والعقول، وهم يزيحون من تونس الاوساخ، ويحيلون إلى الماضي نظاما تحكم في كل مفاصل حياتهم.
وخارجيا، ها هي شعوب العرب قاطبة تنتشي ـ وفي كل بيت من بيوتهم ـ ضيفا حبيبا مقتدرا، تقيم له احتفالا يوميا، إنها الثورة التونسية التي أجبرت حكام العرب على تعديل سياسات تجويعهم للشعوب.. وإذا ببعض حكام العرب يتبرعون بإطعام شعوبهم مجانا لبعض اشهر، والبعض الآخر يجري تخفيضات عاجلة على الاسعار.. فأصبح بمقدور فقراء العرب هذا الشتاءو أن يتزودوا بـ"الكيروسين" للتدفئة، وبالزيت والسكر ليصنعوا حلوى لأبنائهم، والبعض الآخر يتخذ قرارات بتوظيف عشرات آلاف العاطلين عن العمل.. والأجمل من ذلك كله، أن البعض ألغى تحويرات دستورية قام بها سابقا لكي يخلد في كرسي الحكم.. فوجب الشكر، وفي هذا المشهد الجليل يمسك الطيبون قلوبهم بأيديهم، خشية أن يحدث ما لا يحمد عقباه، كأن يلتف أصدقاء أمريكا على ثورة الشعب فيقتلوا روحها ويحولوها إلى استنساخ جديد، لقاعدة مصالحهم الشيطانية في المنطقة، أو ان يتسلل الانتهازيون إلى الصفوف الأمامية، فيحرفون مسير الثورة، أو أن يضخ المال الدنس في مواخير الفساد السياسي والامني، لإرباك الثورة وإرهاق الشعب.
وهنا.. ألا يحق لنا ونحن في غمرة فرحتنا، أن نقول للمشككين في قدرة أمتنا وفي مستقبلها أن نشهر أوراقنا كلها.. ألم تشعل ثورة الجزائر الارض تحت أقدام الاستعمار، فحققت لشعبها وأمتها عزة وكرامة، وكانت شرارة الانطلاق لحركات التحرر في أوطان العرب؟ ألم تشعل انتفاضة الشعب الفلسطيني وثورته الدنيا، وتفجر ينابيع الوعي والنهوض الإنساني فتفتح للعرب سبل المواجهة مع الاعداء؟ ألم تكن مقاومة الشعب اللبناني معجزة بكل المقاييس؟
نحن متوجون بالانتصارات، ووعد الله بنهضة ضد الظلم العالمي، الذي أسقط كثيرا من أنظمة العرب في الوهن والذل والتحول، إلى معاداة الشعوب.. نحن متوجون بالثورات والانتفاضات والمقاومات، فهيهات هيهات منا الذلة؛ ولتونس الخضراء تمتد أيادينا حبا وعناقا وشكرا.. أيها التونسيون.