منذ أيام أرسل إليَّ أحد الأصدقاء هذه القصة عبر الإيميل، والقصة على
بساطتها وقصرها مليئة بالدروس الرائعة التي تعلمنا كيف نستفيد من حياتنا
وجهودنا بصورة لائقة.
تقول القصة: تعطَّل محرك عملاق لإحدى السفن الضخمة، فاستعان أصحابها بجميع
الخبراء الموجودين، لكن لم يستطع أحد منهم معرفة كيف يصلح المحرك.
ثم أحضروا رجلًا شيخًا كبيرًا طاعنًا في السن، كان يعمل في إصلاح السفن مند
أن كان شابًا يافعًا، وكان يحمل حقيبة أدوات كبيرة معه، وعندما وصل باشر
العمل.
فحص الشيخُ المحركَ من القمة إلى القاع بشكل دقيق، بينما كان هناك اثنان من
أصحاب السفينة معه يراقبونه، راجين أن يعرفا ماذا يفعل لإصلاح المحرك.
بعد الانتهاء من الفحص، ذهب الشيخ إلى حقيبته وأخرج مطرقة صغيرة، وبهدوء
طرق على جزء من المحرك، وعلى الفور عاد المحرك للحياة. ثم ذهب الشيخ وأعاد
مطرقته بعناية إلى مكانها، فقد تمَّ إصلاح المحرك!
بعد أسبوع استلم أصحاب السفينة فاتورة الإصلاح من الرجل العجوز وكانت عشرة
آلاف دولار!! “ماذا!؟” أصحاب السفينة هتفوا “هو بالكاد فعل شيئًا” لذلك
كتبوا للرجل العجوز ملاحظة تقول “رجاءً أرسل لنا فاتورة مفصلة.”
الرجل أرسل الفاتورة كالتالي :
الطرق بالمطرقة……………………….. 2.00$.
المعرفة أين تطرق…………………… 9998.00$. أ.هـ
يمكننا أن نقول إن الجهد الذي يبذله الإنسان في حياته مهمًا، ولكن معرفة
أين تبذل الجهد في حياتك هو الفرق، فتحديد الهدف ضرورة، وكذلك تحديد الطرق
الموصلة إلى الهدف، والعقبات التي يمكن أن تؤخر وصولك إليه، وكيفية
معالجتها والتعامل معها.
إن الوصول إلى الأهداف الكبرى في حياتك لا يتم مرة واحدة، كما يقول "بيتر
إيه": "الطريق لا تقطعه في خطوة واحدة كبيرة، ولكن تقطعه في خطوات صغيرة".
وهذه الخطوات لا بد أن تكون مدروسة، فليس المهم هو كثرة الخطوات ولكن الأهم
هو أين تضع خطواتك؟ ففي قصتنا السابقة لم يكن المهم هو كثرة الطرق، ولكن
الأهم هو أين تطرق؟
كان هناك رجل يسير بحثًا عن جبل الأوليمب، وفي أثناء رحلته قابل "سقراط"
وطلب منه بعض النصح والتوجيه. رد عليه سقراط قائلاً: "إذا أردت فعلاً أن
تصل إلى جبال الأوليمب، فقط تأكد أن كل خطوة تخطوها تقودك في اتجاهه".
تذكرت قصة أخرى تقول: إن إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الأخشاب، استأجرت
من بلدية المدينة غابة من غابات البلدة حتى تستفيد من أخشاب شجر الغابة
الكثيفة، فوافقت بلدية المدينة على أن تؤجرهم الغابة لمدة ثلاثة أيام فقط
!!
ولما كان يوم تقطيع الأخشاب اجتمع مدير الشركة بالعمّال وخطب فيهم خطبة
حمّسهم فيها على إنجاز أكبر قدر ممكن من تقطيع الأشجار، وحذّرهم من التهاون
في العمل، ولمّا بدأت صافرة العمل بدأ العمّال في جد ونشاط يقطّعون
الأشجار، ومدير الشركة من خلفهم يحمّسهم ويقوّي عزائمهم، وفجأة يصرخ فيهم
أحد العمّال ليتوقّفوا عن العمل، ومدير الشركة يشير إليهم أن استمروا ولا
تسمعوا له..
فصاح بهم ذلك العامل: إن الغابة التي تعملون فيها ليست هي الغابة التي استأجرناها، بل استأجرنا تلك الغابة المجاورة!!
إن الأعمال التي نقوم بها في حياتنا كثيرة جدًا، وقد لا تكفي الحماسة في
إنجازها؛ إذ قد تجرنا الحماسة الزائدة إلى الخروج عن الأهداف المرسومة،
وبعلم أحيانًا وبدون علم أحيانًا أخرى ترانا ندافع عن وجهة نظرنا وآرائنا،
بالرغم من أننا نسير في الاتجاه الخطأ، ولو أننا تمهلنا قليلاً وناقشنا
وفكرنا واستشرنا وعزمنا ثم مضينا بعدها للعمل بنفوس طيبة لا تحمل هوى،
وبعقول ناضجة لا تعرف ضجرًا، لا أقول إن ذلك يعصمنا من الخطأ، ولكن من
المؤكد أن أخطاءنا ستقل كثيرًا عن ذي قبل.
لا يوجد إنسان يحمل عصا سحرية، ولكن هناك مَن يمتلك الخبرة والمعرفة
والدراية، هناك من صقلته طول التجارب، وكثرة الممارسات، فأصبح يرى بعين
ثاقبة وبصر حديد ما استقر في قعر المحيط، بينما الآخرون لا يرون إلا السفن
وهي تجري بهم في موج البحار، وهم فرحون بلجتها الزرقاء، والسمك يتراءى لهم
وكأنه يقول لهم أنا جاهز للصيد فخذوني ولا تدعوني.
ولذلك يقول خبراء التدريب والإدارة: إن هناك فرقًا بين المدير والقائد،
فالمدير يفعل الأمور بشكل صحيح، بينما القائد يفعل الأمور الصحيحة.
وهذا صحيح فالبعض يفرح باللذة العارضة، والغنيمة الظاهرة، والسعادة
العاجلة، فيُسخِّر لها كل إمكاناته وطاقاته، وينسى هدفه الذي خرج من أجله،
بينما الآخرون يحاولون عبثًا إثناء أصدقائهم عن الانشغال بالغنيمة وهي
تتراقص بين أيديهم، مذكرين إياهم بالأهداف الكبرى التي من أجلها ندبوا
أنفسهم للعمل، محذرين مما قد يجر عليهم ذلك من وبال، ومن تأخير في نيل
المراد والمنال، ومِنْ تعرُّضٍ لما تحويه هذه المنطقة من أخطار وأهوال، فهم
أهل دراية وخبرة، قد عركتهم التجارب من قبل وهم يمرون من الطريق ذاتها.
وصدق من قال: "إن بضع دقائق من التفكير – في هدوء – يوفر عليك بضع ساعات من
العمل الشاق، فكثير من الناس يحب أن يعمل أكثر من محبته أن يفكّر!! لكن
هذا لا يعني بالضرورة أنه صواب! والسرّ في ذلك أن الإنسان فيه غريزة حب
الإنجاز ورؤية الثمار والنتائج والتعجّل في ذلك، والعمل يُشبع هذه الغريزة،
بخلاف التخطيط والتفكير فنتائجه ليست مباشرة، ولا تظهر إلا بعد فترة من
الزمن، ومن يعمل العمل بدون تخطيط تقنعه أقل النتائج الحاصلة، بخلاف من
يخطط فإنه لا يرضى إلاّ بأكبر قدر ممكن من النتائج"!!
إن القرآن يعلمنا أن العمل المحبوب أو السهل ليس أهم في الإنجاز من العمل
غير المحبوب، قال تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ
لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى
أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ
لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216)
فهل يمكن أن نعرف أين نبذل الجهد في حياتنا؟ وكيف نستفيد من هذا الجهد في
جني مكاسب أكثر تعود علينا وعلى أمتنا بالنفع في الدنيا والآخرة؟