شهرة أبي لهب وفتنة قارون
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~
في بداية نشري لمؤلفاتي في سبعينيات القرن الميلادي الماضي،
قابلت أحد الكتاب فيإحدى دور النشر، وسمعت الناشر يقول له: لماذا هذا
الهجوم على بعض الرموز الدينية والدين؟ أما تخاف من المساءلة والمحاكمة؟
فرد
عليه الكاتب قائلا: يا ليت هذا يحدث، أن هذا ما أبحث عنه وأهدف إليه، أنا
أتمنى أن يحاكموني أو يسبوني لأشتهر.
تعجبت وقلت له: تود أن يسبوك؟
قال:
نعم أن يسبوني ويسبوا أبي وأمي ، فهذا أقصر طريق لشهرتي.
قلت: أنت تبحث
عن الشهرة؟
قال: نعم.
قلت له: اجتهدواعمل لتشتهر.
قال: هذا طريق
طويل وأنا أبحث عن الشهرة السريعة.
قلت: ولكنه اشهرة سيئة.
قال:
المهم أن اشتهر.
قلت له: تعلم من أشهر شخصية عربية معارضة للإسلام في
القرآن الكريم؟
قال: لا ادري.
قلت: له (أبولهب) أنزل الله فيهقرآنا
يتلى آناء الليل وأطراف النهار، أطفال المسلمين وشبابهم ورجالهم ونساؤهم
يعرفون أبا لهب ولا يعرفون زعيم الأنصار ولا من حضروا مع النبي صلى الله
عليه وآلهوسلم بيعه العقبة ومن تاب الله عليهم في سورة (التوبة) وغيرهم ممن
نصروا الدين، ولكن شهرة أبي لهب شهرة سيئة.
قال: لكن المهم انه مشهور.
قلت:
سبحان الله تستطيع أنت خلع ملابسك وتسير عاريا في ميدان التحرير لتشتهر!
قال:
أنا موافق.
أعرضت بعد ذلك عنه وعلمت انه يعاني عقدة الشهرة والجهل ونقص
التربية.
هذا تماما ما يفعله بعض المثقفين العرب وبعض الكتاب العرب
الباحثين عن الشهرة يعلمون أن مهاجمة الدينمن اقصر الطرق إلى الشهرة حيث
سيرد عليه المسلمون، ويكتبون عنه ويقولون: الرد على الكاتب الفلاني، وفلان
شكك في القرآن، وأنكر السنة، وشكك في النبوة ويشكك في الجنة والنار والبعث
والحساب، ويدعو إلى إهمال الدين وتهميشه، ويدعي أن الإسلام سبب تخلف
المسلمين وينكر حضارة المسلمين العظيمة، ويلبس المسلمين أثواب الجهل
والتخلف، وكلمااستنكر الناس عليه ازداد حماقة على دين الله.
لو أردنا أن
نعدد الشخصيات التي سلكت طريق شهرة أبي لهب لوجدنا القائمة طويلة بدأت
بأبي لهب وزوجه مرورا بسلمان رشدي وانتهاء بمن يطالب ببناء كعبة للأديان في
سيناء ومن يدعو إلى التدخين في رمضان ورفض الفقه الإسلامي وتفسير القرآن
وغيرهم كثير.
من نعم اللهعلى العبد أن يوضع في قائمة الشرف والمبدعين
والفائقين والمتميزين والباحثين العلميين لتكون شهرته كشهرة احمد زويل،
والدكتور مجدي يعقوب، والدكتور يحيى المشد،والدكتور مشرفة، وسميرة موسى،
وطارق السويدان، وسليمان العودة، ومالك بن نبي وغيرهم كثير.
ومن غضب
الله على العبد أن يوضع في القائمة السوداء قائمة الشيطان وأبي لهب، وقارون
وفرعون وهامان، وأبي جهل، وغيرهم كثير.
ونعود إلى شهرة أبي لهب في
القرآن الكريم حيث قال الله تعالى فيه: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً
ذَاتَ لَهَبٍ{3}) (المسد/1-3).
وقد تضمنت الآيات السابقات شهرة أبي له
بعبدالعزى بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ومصيره المحتوم، وهو
هلاك عدوالله تعالى وعدو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا، ودخوله
نار جهنم لشدة إيذائه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعاداته له وصده
الناس عن الإيمان به)التفسير المنير، وهبة الزحيلي (453/30) – بتصرف).
و"
يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " :أي خسرتيداه وشقي." وَتَبَّ ": فلم يربح، "
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ" الذي كان عنده، فأطغاه ولا "وَمَا كَسَبَ"،
فلم يرد عنه شيئا من عذاب الله إذ نزل به.
"سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ
لَهَبٍ" : أي ستحيطبه النار من كل جانب هو "وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ ".
وكانت أيضا شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان والشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه من
أذية الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه السورة آية باهرة من آيات
الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبولهب وامرأته (أحياء) لم يهلكا، وأخبر
أنهما سيعذبان في النار ولابد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع (ذلك)
كما اخبر عالم الغيب والشهادة (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان،
عبدالرحمن بن السعدي– بتصرف).
وهذا من الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم،
فلو أراد أبولهب هدم الدينوتكذيب هذه السورة والوعد بخلوده في النار لأعلن
إسلامه نفاقا وظاهريا ونقض هذه السورة، ولكن علام الغيوب يعلم انه لن يقدر
على ذلك وقد كان.
ومن أشهر الشخصيات اليهودية قارون الذي طغى وبغى
بعلمه وماله وجاهه وسلطانه وفتن الناس بزينته وموكبه (فَخَرَجَ عَلَى
قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)، فأحدث فتنة كبرى في المجتمع حيث: "قَالَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا
أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{79} " (القصص/79).
فتن
الجهلاء بزينته وموكبه وخدمه وحشمه وحرسه وماله.
وقد علم العلماء
تهافته، وخطأمن فتنوا به وجهلهم بحقائق الأمور "وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ{80} " (القصص/80).
الصابرون
على فتنة المال والجاه، والعلم غير النافع، الصابرون على عدم الشهرة
الكاذبة، الصابرون على طاعة الله والتواضع رغم الشدائد أو رغد العيش. وكانت
النتيجة المحتومة "فخسفنا به وبداره الأرض" وانقسم الناس أيضا إلى فريقين،
فريق الجهلاء الذين قالوا: "وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{82}" (القصص/82).
هؤلاء
يحتاجون إلى زلزال أو بركان ليفيقوا من سباتهم ويتأكدوا منجهلهم، والفريق
الثاني فريق العالمين القائلين "وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ" (القصص/77)، لا يحب المفسدين الباحثين عن الشهرة الكاذبة،
المشككين في عقيدة التوحيد، والقرآن والبعث والحساب، الداعين إلى فصل الدين
عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية
والتربوية، الراغبين في حبس الإسلام في الزوايا ، وأماكن العجزة والمرضى
المنكرين للسنة النبوية السائرين في طريق الشيطان وأبي لهب وقارون والعياذ
بالله.