أجمع أهل العلم من أمة الإسلام على أن القرآن
الكريم نزل من السماء الدنيا على قلب خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم
مفرَّقاً على فترات، استغرقت أكثر من عشرين عاماً. وكان من وراء نزول
القرآن مفرقاً على رسول الله مقاصدُ وحِكَمٌ، ذكر أهل العلم بعضاً
منها.وفيما يأتى نقف على بعض المقاصد والحكم:
الحكمة الاولى: تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم
ومواساته
فقد واجهه صلى الله عليه وسلم فى دعوته للناس مشقة شديدة ونفورا وقسوة ،
وتصدى له قوم فطروا على الجفوة وجبلوا على العناد يتعرضون له بصنوف الأذى
والعنت، مع رغبته الصادقة فى إبلاغهم الخير الذى يحمله إليهم، فكان الوحى
يتنزل عليه صلى الله عليه وسلم فترة بعد فترة ، بما يثبت قلبه على الحق. (
كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا32 - الفرقان )
الحكمةالثانية: التحدى والاعجاز
فالمشركون تمادوا فى غيهم ، وبالغوا فى عتوهم ، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز
وتحد يمتحنون بها رسول الله فى نبوته فن هنا كان من مقاصد تنـزيل القرآن
مفرقاً الرد على شُبه المشركين أولاً بأول، ودحض حجج المبطلين، إحقاقًا
للحق وإبطالاً للباطل، قال تعالى ( ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن
تفسيراً -33 - الفرقان ) ففي الآية بيان
لحكمة نزول القرآن مفرقاً وهو أن المشركين كلما جاءوا بمثل أو عَرْضِ شبهة
ينـزل القرآن بإبطال دعواهم وتفنيد كذبهم، ودحض شبههم . ويشير الى هذه
الحكمة ما جاء ببعض الروايات فى حديث ابن عباس عن نزول القرآن (( فكان
المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابأ )) -اخرجه البيهقى فى شعب
الإيمان-
الحكمة الثالثة: تيسير
حفظه وفهمه
لقد نزل القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة ، ليس لها
دراية بالكتابة والتدوين حتى تكتب وتدون ، ثم تحفظ وتفهم . ( هو الذى بعث
فى الأميين رسولامنهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة
وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين -2-الجمعة ) فما كان للأمة الأمية أن حفظ
القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة ، وعن عمر قال : (( تعلموا القرآن خمس
آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبى صلى الله عليه وسلم
خمسا خمسا )) .- أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان -
الحكمة الرابعة : التدرج فى التشريــــع
فليس من السهل على النفس البشرية أن تتخلى عما ورثته من عادات وتقاليد،
وكان عرب الجاهلية قد ورثوا كثيراً من العادات التي لا تتفق مع شريعة
الإسلام، كوأد البنات، وشرب الخمر، وحرمان المرأة من الميراث، وغير ذلك من
العادات التي جاء الإسلام وأبطلها، فاقتضت حكمته تعالى أن يُنـزل أحكامه
الشرعية شيئاً فشيئاً، تهيئة للنفوس، وتدرجاً بها لترك ما علق بها من تلك
العادات يشير إلى هذا المعنى أن تحريم الخمرلم ينزل دفعة واحدة ، بل كان
على ثلاث مراحل كما دلت على ذلك نصوص القرآن الكريم . وفى قوله تعالى (
ونزلناه تنزيلا -) إشارة إلى أن نزوله كان شيئا فشيئا حسب مصالح العباد ،
وما تتطلبه تربيتهم الروحية والإنسانية ، ليستقيم أمرهم وليسعدوا به فى
الدارين .
الحكمة الخامسـة : مسايرة الحوادث
من مقاصد نزول القرآن مفرقا مسايرة الحوارث المستجدة والنوازل الواقعة ،
فقد كان القرآن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم لواكبة الوقائع الجديدة
وبيان أحكامها قال تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة
وبشرى للمسلمين -89- النحل ) فكثير من الآيات القرآنية نزلت على سبب أو
أكثر، كقصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وحادثة الإفك وغير ذلك من
الآيات التى نزلت بيانا لحكم واقعة طارئه .
الحكمة
السادسة : الدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد
إن هذا القرآن الذى نزل منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أكثر من
غشرين عاما تنزل الآيه أو الآيات على فترات من الزمن يقرؤه الإنسان ويتلو
سوره فيجده محكم النسج ، مترابط المعانى ، متناسق الآيات والسور ،كأنه عقد
فريد نظمت حباته بما لم يعهد له مثيل فى كلام البشر (كتاب أحكمت آياته ثم
فصلت من لدن حكيم خبير-12- هود ) ولو كان هذا القرآن من كلام البشر قيل فى
مناسبات متعددة ، ووقائع متتالية ، لوقع فيه التفكك والأنفصام ، واستعصى أن
يكون بينه التوافق والانسجام
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا -82- النساء ) .