كُلُّ وقتٍ
|
ما عدا لحظة ميلادكَ فينا
|
هو ظِلٌّ لنفاياتِ الزمانْ
|
كُلُّ أرضٍ
|
ما عدا الأرض التي تمشي عليها
|
هي سَقْطٌ مِن غُيارِ اللاّمكانْ
|
كُلُّ كون
|
قبل أن تلبسَهُ.. كان رمادا
|
كلُ لونٍ
|
قبل أن تلمسهُ.. كان سوادا
|
كلُ معنىً
|
قبل أن تنفُخَ في معناهُ نارَ العُنفوانْ
|
كان خيطاً من دُخانْ
|
لم يكن قبلكَ للعزَّةِ قلبٌ
|
لم يكن قبلكَ للسؤددِ وجهٌ
|
لم يكن قبلكَ للمجدَ لسانْ
|
كلُ شيءٍ حَسَنٍ ما كان شيئاً
|
يا جنوبيُّ
|
ولمّا كنتَ.. كانْ!
|
****
|
كانتِ الساعة لا تدري كم السّاعةُ
|
إلاّ
|
بعدما لقَّـنَها قلبكَ درسَ الخَفقانْ!
|
كانت الأرضُ تخافُ المشيَ
|
حتى عَلمتْها دَفقاتُ الدَّمِ في قلبكَ
|
فنَّ الدّورانْ!
|
لن تتيه الشمسُ، بعدَ اليومِ،
|
في ليلِ ضُحاها
|
سترى في ضوءِ عينيكَ ضياها!
|
وستمشي بأمانٍ
|
وستمشي مُطمئـناً بين جنْـبَيها الأمانْ!
|
فعلى آثارِ خُطواتِك تمشي،
|
أينما يمَّمتَ.. أقدامُ الدُّروبْ!
|
وعلى جبهتكَ النورُ مقيمٌ
|
والجهاتُ الأربع اليوم: جنوبْ
|
يا جنوبيُّ..
|
فمِنْ أينَ سيأتيها الغروبْ؟!
|
صار حتى الليلُ يخشى السَّيرَ في الليلِ
|
فأَنّى راحَ.. لاح الكوكبانْ
|
مِلءَ عيْنيكَ،
|
وعيناكَ، إذا أغمضَ عيْنيهِ الكَرى،
|
لاتغمضانْ!
|
****
|
يا جنوبيُّ..
|
ستأتيكَ لِجانُ الجانِ
|
تستغفِرُ دهرَ الصمتِ والكبْتِ
|
بصوتِ الصولجانْ
|
وستنهالُ التهاني
|
من شِفاهِ الإمتهانْ!
|
وستَغلي الطبلةُ الفصحى
|
لتُلقي بين أيديكَ
|
فقاعَ الهذيانْ
|
وستمتدُّ خطوطُ النارِ،
|
كُرمى لبطولاتكَ،
|
ما بين خطابٍ أو نشيدٍ أو بيانْ
|
وستجري تحتَ رِجليكَ
|
دِماءُ المهرجانْ
|
يا جنوبيُّ
|
فلا تُصغِ لهمْ
|
واكنُسْ بنعْليكَ هوى هذا الهوانْ
|
ليس فيهم أحدٌ يملكُ حقَّ الامتنانْ
|
كُلهم فوقَ ثناياهُ انبساطٌ
|
وبأعماقِ طواياهُ احتقانْ!
|
هم جميعاً في قطارِ الذلِّ ساروا
|
بعدما ألقوكَ فوق المزلَقانْ
|
وسقَوا غلاّية السائقِ بالزيتِ
|
وساقُوا لكَ كلَّ القَطِرانْ!
|
هُم جميعاً
|
أوثقوا بالغدرِ أيديكَ
|
وهم أحيوا أعاديكَ،
|
وقد عُدتَ مِنَ الحينِ
|
لِتُحيينا.. وتسقينا الحنانْ
|
كيف يَمْتـَنّونَ؟
|
هل يَمتنُّ عُريانٌ لِمن عَراهُ؟
|
هل يزهو بنصرِ الحُرِّ
|
مهزومٌ جبانْ؟!
|
****
|
يا جنوبيُّ..
|
ولن يُصدِقكَ الغَيْرةَ
|
إلاّ عاهِرٌ
|
ليس لهُ في حلباتِ العهْرِ ثانْ
|
بهلوانٌ
|
ثُعْلبانٌ
|
أُلعُبانْ
|
دَيْدَبانْ
|
مُعجِزٌ في قبحِهِ..
|
فاعجَبْ لِمنْ في جَنبهِ
|
كُلُّ القباحاتِ حِسانْ
|
كيف يبدو كلّ هذا القبْح
|
فيمَن قد بَراهُ الحَسَنانْ؟!
|
هوَ من إلْيَتِهِ السُّفلى
|
إلى إلْيَتِهِ العُليا
|
نفاياتُ إهاناتٍ.. عَليها شفتانْ!
|
وهوَ في دولتهِ
|
-مهما نَفخْناهُ وبالغنا بتوسيعِ المكانْ-
|
دودةٌ من مَرْطَبانْ!
|
سوف يُفتي: إنهُ ليس قَراركْ
|
وسَيُفتي: مجلسُ الأمنِ أجارَكْ
|
قلْ لهُ: في قبصةِ المجلس
|
آلاف القراراتِ التي تحفظُ داركْ
|
لِمَ لا يَمسَحُ عاركْ؟!
|
قُلْ لهُ: مِن مَجلسِ الأمنِ
|
طَلبْتَ الأمنَ قَبلي..
|
فلماذا أنت لا تجلسُ مثلي بأمانْ؟
|
قُلْ لهُ: لا يَقتلُ الجرثومَ.. إلا الغليانْ
|
قُلْ لهُ: إن بذورَ النّصرِ
|
لا تَنبُتُ إلاّ.. في ميادينِ الطِّعانْ
|
قُلْ لهُ: أنتَ مُدانْ!
|
****
|
يا جنوبيُّ
|
وَهَبْتَ الرِّيحَ باباً مُشرَعاً
|
من بَعدِما شرَّعتَ أسبابَ الهبوبْ
|
فَأصِخْ..
|
ها هو ذا صوتُ صفيرِ الزَّهوِ يأتي
|
مِن ملايين الثُقوبْ!
|
لا تقُلْ إنكَ لا تعرِفُ عنها أيّ شيءٍ
|
إنها.. نحنُ الشعوبْ!
|
وقصارى ما يُرجّى مِن ثُقوبٍ
|
أنَّ في صَفْرَتَها.. أقصى الوثوبْ!
|
سوف تحتلُّكَ
|
تأييداً وتعضيداً وتمجيداً
|
ونَستعمرُ سَمعيكَ
|
بجيشِ الهيَجانْ
|
يا جنوبيُّ
|
فَسَرِّحْنا بإحسانٍ
|
وقُلْ: فات الأوانْ
|
أنتمُ، الآنَ، تَجرَّأتُم على الزَّحفِ
|
وإنّي، من زمانٍ،
|
قد تجاوزتُ حدودَ الطيرانْ!
|
وأنا استأصَلتُ مِنّي ورماً
|
ثم تعافيتُ
|
ومازلتُم تُقيمونَ جميعاً
|
في خلايا السَّرطانْ!
|
وأنا هدًّمتُ للشرِّ كياناً
|
ولهُ في أرضِكُمْ..
|
مازالَ عِشرونَ كيانْ!
|
****
|
يا ابنَ لُبنانَ
|
بمضمارِ العُلا
|
طالعْتَ طِرْسَ العِزِّ
|
واستوعبتَ دَرسَ العُنفوانْ
|
قُلتَ: ماذا يجلبُ النَّصرَ؟
|
فقالتْ نفسكَ الحُرةُ:
|
إيمانٌ
|
وصبرٌ
|
وزِناد
|
وبَنَانْ
|
فتهيَّأتَ، وراهنْتَ على أن تَبلُغَ النَّصرَ
|
.. وما خاب الرِّهانْ
|
****
|
يا ابن لُبنانَ.. هَنيئاً
|
وحْدكَ النّاجحُ،
|
والعُرْبُ جميعاً..
|
سقطوا في الامتحانْ! |