بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيد ولد آدم أجمعين
محمد صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه أجمعين
الظلم ثم الظلم ثم الظلم ,,,
هو مُفتاح كل شر
و العدل ثم العدل ثم العدل ,,,
هو مُفتاح كل خير
أصعب و أمر و أقسى شعور فى الدنيا هو شعور المظلوم المقهور
العاجز عن نيل حقه و لا أحد ينصفه
لأن نوازع الشر الخبيثة فى النفس البشرية
قد تحالفت ضده و تكالبت عليه فسلبته حقه و قتلت طموحه
و جعلت حياته كالسُم الزُعاف
يتجرعه صباحا" و مساء و لا يكادُ يُسيغه
و نزعت من قلبه الأمل و زرعت مكانه اليأس و الإحباط
ليس هدفى هُنا تناول الظلم من منظور دينى
لأننا كلنا نعلم أن الظلم مُحرم شرعا" وأنه ظلمات يوم القيامة
و كلنا نعلم أيضا" عاقبة الظلم و عاقبة الظالم
و لأن تناول الموضوع من منظور دينى ليس مكانه هُنا
و إنما هُناك فى القسم الإسلامى
و لكنى أرغبُ فى تناول موضوع الظلم من حيث :
دوافعه و أشكاله و آثاره على الفرد و المجتمع:-
أولا" : دوافع الظلم :
1- الجهل :
قد يظلم الإنسان إنسان آخر بجهل و عدم دراية
فأحيانا" قد يفعل الشخص فعل يراه عاديا" من وجهة نظره
و لكنه فى حقيقة الأمر يظلم شخص آخر بهذا الفعل
أو يتعدى على حقوقه و هو لا يدرى
و لذلك يجب على كل إنسان قبل الشروع فى عملٍ ما ,,,
أن يتريث و يزن الأمور بميزان ذهب
و يحسب جيدا" عواقب الأمور
و يحسب أيضا" بكل دقة ,,, الفعل و رد الفعل
حتى يتأكد لديه أنه لا يظلم أحد بفعله
و إذا تبين للشخص أنه أخطأ
أو ظلم أحد بفعله فيتعين عليه التراجع فورا"
و عليه إنصاف من ظلمه و الإعتذار له ,,,
فكلنا نُخطىء و لا أحد مِنا معصوم من الخطأ
و لكن فارق كبير بين من يُخطىء و يتراجع
عندما يظهر له الحق و يتضح
و بين من يتمادى فى غيه و جهله و طغيانه
و يظن (من فرط جهله و غبائه)
أن التراجع يُنقص من قدره و يحط من شأنه
و يجعله يصغر فى عيون الناس
بينما العكس هو الصحيح تماما" ,,
فالذى يتراجع و يعود إلى الحق
يكبر و لا يصغر و يعلو و لا ينخفض
2- التكبر :
قد يرتكب الإنسان الظلم بدافع من الكبر و تعاظم النفس
فهو ينظر باحتقار لخلق الله و يرى أنه لا يجب
أن يتساوى معهم أبدا" لأنه أفضل منهم
هكذا يوسوس له شيطانه المريد و هكذا تسول له نفسه الخبيثة
و بالتالى فإن التكبر يدفع الشخص لظلم الناس
و الجور على حقوقهم بكافة أشكالها
و الواقع أن الكبر فى رأيى هو من أمراض القلوب التى يَصعُب علاجها
و للحق ,,, أنا شخصيا" لم أرى مُتكبر شُفى
من هذا الداء اللعين إلا من رحم ربى
3- الطمع :
و هذا هو الدافع للمظالم المادية بين البشر
فقد يظلم الإنسان شخص آخر بدافع من الطمع المادى
و ذلك للحصول على مكاسب أو مزايا مادية هى ليست من حقه
مثال ذلك ,,, أكل أموال الناس بالباطل
و أيضا" حرمان الإناث من الميراث
و هى ظاهرة لعينة لم ينجو منها مجتمع عربى او إسلامى
(إلا من رحم ربى) و قِس على ذلك الكثير من الأمثلة
4- الحقد :
و هذا هو أحقر و أغبى دوافع الظلم على الإطلاق
عندما يكون دافع الظلم هو فقط مجرد الحقد على الناس بسبب نعمة
أنعم اللهُ عليهم بها أوبسبب ميزة ميزهم اللهُ بها
و الظالم فى هذه الحالة لا يعلم أن ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء
أو رُبما هو يعلم ذلك ,,,
و لكن أحقاده قد سيطرت عليه و أعمت بصره و بصيرته
فأصبحت هى التى تقود و توجه سلوكه و بالتالى تدفعه لظلم الناس
5- الجهل و التكبر و الطمع و الحقد :
قد تجتمع دوافع الظلم كلها فى قلب شخص واحد
و هُنا تكون الطامة الكبرى ,,, عندما يظلم الشخص الناس
لأنه جاهل و متكبر و طامع و حاقد ,,, فعلا" شىء فى منتهى البشاعة
ثانيا" : أشكال الظلم :
1- الظلم النفسى (المعنوى) :
هو شكل قاسى و مرير من أشكال الظلم و أمثلته كثيرة
منها عندما يتسبب شخص فى إيذاء مشاعر الناس أو جرح كرامتهم
و منها عندما يتسسب شخص فى إيلام الناس
نفسيا" بالقول أو الفعل
و منها عندما يحرم شخص الناس
من حقوق نفسية و معنوية يستحقونها
و تحت هذا الشكل من أشكال الظلم تندرج أشكال كثيرة
2- الظلم المادى :
و هو إما أكل حقوق الناس المادية أو حرمانهم من تلك الحقوق
مثال ذلك عدم عدل بعض الأباء بين الأبناء
أو تفضيل أحدهما على الأخر
و ذكرنا من قبل مثال حرمان الإناث من الميراث
و قس على ذلك كل أشكال الظلم المادى
3- ظلم النفس :
و هو أن يظلم الإنسان نفسه بأى شكل من الأشكال
مثلا" بأن يحملها مالا تطيق أو يوردها مورد التهلكة
و هناك الكثير من الأمثلة
4- المساواة (أحيانا" و ليس دائما")
كلام غريب ,,, كيف تكون المساواة شكل من أشكال الظلم ؟
نعم ,,, أحيانا تكون المساواة هى أشد أنواع الظلم ,,, فكيف ذلك ؟
بالمثال يتضح المقال ,,, و لله المثلُ الأعلى
إفترض أنك صاحب عمل أو شركة و لديك الكثير من الموظفين
منهم من يعمل بجد و إخلاص و تفانى و يسهم بجهده
فى الإرتقاء بمكان عمله و تحقيق الربح له
و منهم الخامل و الكسول و العديم النفع
و منهم من وجوده مثل عدمه أو عدم وجوده أفضل
ثم تأتى فى نهاية العام و تسوى بين الجميع
و توزع بينهم المكافأت بالمساواة ,,,
المساواة هنا هى أشد أنوع الظلم
لأنك أعطيت من لا يستحق مثل الذى يستحق
فأنت فى هذه الحالة ظلمت الشخص المتفانى
عندما أعطيت الخامل مثله
أو أنك أعطيت من لا يستحق و حرمته بشكل كُلى
طبعا" هذا المثال حدوثه نادر على أرض الواقع
لأن الشركات ليست مؤسسات خيرية
و أصحاب الأعمال ليسوا سُذج أو بُلهاء
و لكن فقط هو مجرد مثال لتوضيح الفكرة
و قِس عليه أيضا" الكثير من الأمثلة
و يجب هنا ملاحظة أن (أشكال الظلم)
تتداخل بشدة مع (دوافع الظلم)
فالظلم يأخذ شكله على حسب الدافع و قياسا" عليه
و لكن كان من الواجب الإفصاح و التوضيح
حتى تكتمل عناصر البحث و أركان الموضوع
ثالثا" : آثار الظلم على الفرد :
1- الظلم يقهر النفس و يُعذب الروح
2- الظلم يجعل الإنسان يكفر بكل القيم الجميلة و المعانى السامية
3- الظلم يجعل الشخص يفقد الثقة فى الناس
4- الظلم يترك فى النفس جروح لا يُداويها الزمن و لا تمحوها الأيام
5- الظلم يقتل فى الإنسان روح الأمل و يُصيبه بالإحباط و اليأس
6- الظلم أحيانا" يقتل فى الإنسان حتى الرغبة فى الحياة
(و ذلك على حسب حجم الظلم و نوعه)
رابعا" : آثار الظلم على المجتمع :
1- الظلم يُدمر علاقات الناس ببعضهم البعض
2- الظلم يقطع صلات الأرحام
3- الظلم يُشيع فى المجتمع جو الكراهية و التباغض
4- إذا عَم الظلم و انتشر فإنه يخلق حالة
من الإحباط العام فى المجتمع
و الواقع كما أن للظلم آثار نفسية رهيبة و مُدمرة على نفسية الإنسان
إلا أنه يمكن أن يكون دافع للشخص للتقدم نحو الافضل
بشرط أن يتحلى الشخص بروح قتالية عالية
لا تخضع للظلم و تقاومه
روح لا تعرف اليأس و لا الهزيمة و لا الإنكسار
و لا الفشل و لا الإحباط
روح وثابة و قوية تتخطى كل الصعوبات
و تدوس على كل العوائق
روح تفرض نفسها فرضا" و تنتزع حقوقها انتزاعا"
*******************************************
خلاصة القول ,,,
أن الظلم موجود و سيبقى موجود ,,,
و تلك هى إرادة الله و سُنته الكونية
و هى فتنة و لا شك و اختبار ,,,
و لكن يجب بقدر المستطاع مقاومة الظلم
و العمل على منع حدوثه حتى نتجنب
آثاره المُدمرة على مُستوى الفرد و المجتمع
و أتذكر هُنا قول الشاعر :
لابد من يومٍ معلوم ترتدُ فيه المظالم
أبيضٌ على كل مظلوم أسودٌ على كل ظالم
و أختم بقول الله عز و جل فى الحديث القدسى :
(يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى
و جعلته بينكم محرما ,, فلا تظالموا)
و أخيرا" ,, و ليس آخرا" ,,
إن كان هناك نقاط قد سقطت منى سهوا" ,,
فجل من لا يسهو
و إن كان هناك نقاط قد فاتنى تداركها ,,
أو كان فى موضوعى أى نقص ,,
فإن الكمال لله وحده
كل ما تقدم هو مجرد اجتهاد شخصى منى
و هو بالقطع يحتمل الصواب و الخطأ