ما إن يذكر أحدهم اسم مولر على لسانه في ألمانيا، حتى يقف عشاق الساحرة المستديرة وقفة احترام وتقدير وإجلال لهذا الرجل الذي قدم إسهامات كثيرة لكرة القدم في هذا البلد. فقد بات جيرد مولر غنياً عن التعريف لدى الخاص والعام.
ولم يَرِد في قائمة اللاعبين الذين تعاقبوا على حمل قميص المانشافت أي لاعب يحمل هذا الإسم العائلي منذ أن ودع ابن نوردلينجن الميادين الدولية، إلى أن حل موعد المباراة الودية التي انهزمت فيها كتيبة يواكيم لوف على يد الأرجنتين بهدف دون رد أوائل شهر مارس/آذار 2010. فقد وقفت جماهير ملعب أليانس أرينا شاهدة على ولادة نجم جديد يتقاسم نفس الكنية مع بطل العالم لسنة 1974 الذي مازال يتربع على عرش هدافي المنتخب عبر العصور.
ولمحاسن الصدف، فإن أوجه التشابه بين ابن العشرين ربيعاً والنجم السابق الذي يبلغ من العمر 64 عاماً لا تقتصر عند حد الإسم العائلي فقط، حيث نشأ توماس مولر وتألق في صفوف نفس الفريق الذي عاش معه جيرد أمجاده الكروية، إذ سرق النجم الصاعد كل الأضواء بفضل أدائه الرائع وعروضه الباهرة داخل كتيبة العملاق بايرن ميونيخ، الذي يُعد أكثر الأندية الألمانية تتويجاً بالألقاب والإنجازات.
نجومية في مقتبل العمر
يُدرك توماس في قرارة نفسه أنه واحد من أبرز النجوم الصاعدين الذين تُعقد عليهم آمال كبيرة لحمل مشعل كرة القدم الألمانية، وهو يعي في الوقت ذاته أن لا مجال لمحاولة تفادي المقارنات بينه وبين الأسطورة جيرد مولر، وهو وضع يتعامل معه هذا الشاب الناشئ بواقعية ومسؤولية كبيرتين.
فمنذ أن برز إلى الواجهة الدولية، لم تتوقف الجماهير ووسائل الإعلام على وصفه بأمل الكرة الوطنية، حيث بدأ العديد من المتتبعين يرون فيه دعامة أساسية من دعائم منتخب المانشافت في نهائيات كأس العالم جنوب أفريقيا 2010 FIFA. لكن البعض أبدى في المقابل تخوفات كبيرة حيال هذه المقارنات والضغوط النفسية التي من شأنها أن تؤثر سلباً على معنويات لاعب شاب في مقتبل العمر، لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار أن مولر كان قبل سنتين من الآن ما يزال يلعب في صفوف الفريق الرديف بالنادي البافاري، علماً أن شهرته لا تتخطى الحدود الألمانية في الوقت الراهن، إذ أكد دييجو أرماندو مارادونا في المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد تلك المباراة أنه لم يسبق له أن عرفه أو سمع عنه قبل ذلك التاريخ.
بداية موفقة
وقد تتحول حياة مولر بسرعة من لاعب مغمور إلى نجم عالمي مشهور في ظرف أسابيع معدودة، بعدما أظهر قوة شخصيته ومهاراته العالية فوق أرضية المستطيل الأخضر، ناهيك عن تعدد وظائفه في مختلف المراكز، إذ يلعب في قلب الهجوم ووسط الميدان على حد سواء وبنفس القدرة من الفعالية، بل وبإمكانه التألق على الجناحين كذلك، مما أهله لضمان مقعد له بين الكبار منذ بداية هذا الموسم وسرقة كل الأضواء مع بقية نجوم العملاق البافاري.
فقد كان هذا الشاب الواعد بمثابة الحل السحري الذي لطالما بحث عنه المدير الفني لويس فان جال من أجل خلق الإنسجام المنشود بين النجمين الكبيرين، فرانك ريبري وأريين روبن، حيث وظف المدرب الهولندي ابن أكاديمية النادي في مركز مهاجم متأخر لمساندة رأس الحربة ماريو جوميز في تنفيذ الهجمات وإتمامها.
وبمجرد إلقاء نظرة سطحية على حصيلة مشاركة توماس مع البايرن في أول موسم له ضمن منافسات النخبة، يتبين جلياً أن الأرقام والإنجازات لا تحتاح لأي تعليق على الإطلاق، إذ يكفي التذكير أن صاحبنا قد سجل 13 هدفاً من أصل المباريات 39 التي خاضها بقميص النادي البافاري. وقد أثار تألق مولر بسرعة اهتمام مدرب المنتخب الألماني يواكيم لوف وباقي المسؤولين على كتيبة المانشافت، حيث لم تتردد الإدارة الفنية في استدعائه لإجراء أول اختبار بالقميص الوطني.
وتعليقاً على هذا التحول السريع في مساره الكروي، أكد ابن العشرين ربيعاً في حديث خص به موقع FIFA.com قائلاً: "ليس من الجيد الإكثار في التفكير. صحيح أني لم أكن أتوقع أن تكون بدايتي ناجحة بهذا الشكل، لكني أحمد الله لكوني أنتمي لفئة الناس الذين يحافظون على تواضعهم ورباطة جأشهم، إذ أعرف حق المعرفة كيف يجب أن أتعامل مع الضغوط وكثرة القيل والقال التي تحوم من حولي."
الورقة الرابحة
بالنسبة لشاب في مقتبل العمر، يُمكن القول أن مولر قد بلغ مرحلة النضج قبل الأوان، إذ يتعامل مع الإعلاميين وعدسات الكاميرا باحترافية لا نجدها إلا عند اللاعبين المخضرمين، ناهيك عن حزمه وصرامته فوق رقعة الملعب، حيث تؤهله مهاراته التقنية العالية ولياقته البدنية الخارقة لاستغلال المساحات في وسط الميدان. كما يتميز بانسجامه الكبير مع باقي زملائه وإمكانياته الخارقة في التسديد من مسافات بعيدة، فضلاً عن قدرته الهائلة على التأقلم مع مختلف المناهج التكتيكية التي يعتمدها مدربه.
ويلخص صاحب القميص رقم 25 في صفوف البايرن سر نجاحه في كسب حب جماهير النادي وعشاق المنتخب قائلاً: "أعتقد أن طريقة لعبي البسيطة قد تكون مفيدة بالنسبة للفريق، إذ بإمكاني أن ألعب دور الجوكر كذلك. فعندما تتعقد الأمور وتتكالب الظروف، يكون بمقدوري إضافة دم جديد في جسد الفريق." وربما يكون مولر الورقة الرابحة في كتيبة لوف خلال مغامرة المانشافت في كأس العالم جنوب أفريقيا FIFA، إذ يملك كل المقومات لكي يصبح ظاهرة هذا العام، في ظل الفترة الصعبة التي يمر بها كل من ميروسلاف كلوزه ولوكاس بودولسكي، اللذين يشكلان ثنائي الهجوم في التشكيلة الأساسية للمنتخب الألماني.
الحلم الأفريقي
يبدو أن ثقة لوف في نجمه الجديد تزداد يوماً بعد يوم، إذ أكد المدير الفني الألماني في تصريح صحفي عقب بداية مولر الموفقة في عالم المنافسات الدولية قائلاً: "لم ألمس فيه أي توتر أو شعور بالضغط. أعتقد أنه يملك الإمكانيات اللازمة التي تؤهله لاقديم إضافات مهمة في الجناح الأيمن." وبالفعل، يبدو أن الأسلوب الحيوي البسيط الذي يتمتع به مولر يجعل منه اللاعب الأمثل لتعويض صانع الألعاب العبقري مسعود أوزيل.
ورغم كل هذا الإعتراف والتقدير والثناء، إلا أن صاحبنا يفضل التزام الحيطة والحذر حيال حظوظه بالمشاركة في أول عرس كروي عالمي تستضيفه القارة السمراء، حيث يؤكد قائلاً: "أحلم بخوض تجربة كأس العالم، بطبيعة الحال، لكني أدرك تماماً أنه مازال بإمكاني أن أطور أدائي في بعض الجوانب. لكي أضمن انضمامي إلى المنتخب، يتعين علي أن أقدم أفضل ما لدي كل أسبوع. لكن القرار الأول والأخير لا يعود لي، إذ يملك المدرب الوطني كل الصلاحيات لتحديد اللاعبين الذين يود اصطحابهم معه إلى كأس العالم."
وإذا تحقق حلم مولر بمرافقة المانشافت إلى بلاد مانديلا، فإنه سيكون من دون شك واحداً من أبرز المرشحين للفوز بجائزة Hyundai لأفضل لاعب شاب في النهائيات المرتقبة، إذ سيكون آنذاك من السهل على مارادونا التعرف عليه، بل وربما الإعتراف بمؤهلاته والإشادة بقدراته العالية، في حين سيجد جيرد مولر خليفته الحقيقي الذي سيكون بالفعل إسماً على مسمى.