ثورة الشغب التي عرفتها الجزائر في بداية الشهر الجاري، عبر أزيد من 19 ولاية، خاضت في أسبابها ومبرراتها الكثير من الجهات والأطراف، بينها أصوات تكلمت من عواصم غربية، لتمارس سياسة "الفضائيات عاوزة كده" من الحديث عن دور الجنرالات والفيس المحظور، وكذا قوى المجتمع المدني، رغم إدراك الجميع، وبينهم بقايا المعارضة في الجزائر، أن المواطنين، وغالبيتهم من القصّر والمراهقين، ثاروا في الشارع، دون تأطير سياسي ولا حزبي.
لكن وإن وجدنا عذرا، للغائبين أو المغيبين عن المشهد الوطني، والواقع اليومي للجزائريين، وإن تفهمنا كذلك، بحث آخرين عن المجد عبر الساتل والفضائيات، بعد ما أخفقوا في الحصول على ربعه بين الجماهير، فإنه من غير المعقول ولا المقبول، أن يخرج وزير جزائري، في الحكومة الحالية، ليقول أن الثورة والاحتجاجات التي عمت 19 ولاية، سببها الفيس والفايسبوك؟!!
الوزير المقصود هو، وزير الشؤون الدينية والأوقاف، بوعبد الله غلام الله، الذي قال في ندوة بعنوان "نبذ العنف وحب المواطنة" ما مضمونه الآتي: "الاحتجاجات الأخيرة عبارة عن ظاهرة مرضية ومافياوية، يتحمل مسؤوليتها الحزب المحظور، إلى جانب المجالس المنتخبة، من البلديات إلى البرلمان، بالإضافة إلى نقابات الأساتذة وجهات خارجية معادية للجزائر " !!
الوزير المنتمي للأرندي تساءل، مضيفا بنظرة لا نعرف إن كانت تمثل رؤيته الخاصة، أم هي رؤية حكومية: "ماذا بقي لجماعة الفيس وهم أسباب كل البلاء الذي عرفته الجزائر إلى اليوم (...) حتى نقابات الأساتذة تتحمل المسؤولية، فهي تلهث وراء معركة تسيير أموال الخدمات الاجتماعية متجاهلة مناقشة البرامج وتراجع المستوى " !!
الوزير يرمي الجميع بالاتهامات في البلاد، ويبرئ نفسه من المسؤولية، وهو المنتمي لحزب قال في تعليقه على احتجاجات الشارع أنه يتفهمها (وفقا لما ذكره الناطق الرسمي باسم الأرندي ميلود شرفي) وبالتالي، فإن غلام الله، يبدو في كلامه، متمردا على حزبه، وعلى الحكومة، (ودعكم طبعا من قصة تمرده على الواقع، وعدم فهم الشارع، فهي قصة طويلة، ليس المجال لذكرها هنا ) .
غلام الله الذي لا يدري (أو ربما يدري) أنه بكلامه هذا، يثبت قوة الفيس المزعومة في تحريك الشارع عبر أكثر من 19 ولاية، فهو أيضا يخطئ، حين يفتح النار، بلا سبب، على النقابات المطالبة بحقوقها، عن جهل، أو ربما لأنه لم يطالع الأخبار التي أظهرت أن النقابات هي من حرك وأطّر الشارع المنتفض ضد حاكمه المتجبر في الجارة تونس، وأن الشارع عاد لينتفض مجددا ضد الحكومة الانتقالية بسبب تصريح واحد أطلقه وزير الداخلية الجديد، لم يراع فيه مشاعر المحتجين، حين قال، بلهجة المتجبر الذي سقط: "ليس هناك من يعلمنا دروسا في الوطنية"؟!
لن نقول لمعالي وزير الشؤون الدينية "لسانك حصانك، إن صنته صانك" طالما أن خرجاته السابقة واللاحقة، بينت أن معاليه، آخر العاملين بتلك النصيحة، حتى وإن اعترفنا أنه رغم كل تلك الشطحات الكلامية، إلا أن منصبه الحكومي، مايزال محصنا من كل تغيير أو تبديل، لكننا نعتقد في الوقت ذاته، أن على الجهات المسؤولة في البلد، إدراك، خطورة مثل هذه التصريحات، خصوصا عندما يكون الشارع، مستعدا، للثورة، لأي سبب، حتى وإن كان هذا السبب، صفعة، أو كلمة؟ !!