السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
المعاصي والذنوب التي
هي دون الكفر أو الشرك عند أهل السنة والجماعة
تنقسم إلى قسمين: كبائر،
وصغائر.
الكبيرة: هي كل معصية يترتب عليها حد في الدنيا، أو عقوبة،
أو توعد
بالنار، أو عذاب، أو لعنة، أو غضب.
الصغيرة: هي كل معصية لا
يترتب عليها حد في الدنيا، ولا وعيد في الآخرة.
والأعمال الصالحة –
عندهم – تكفر صغائر الذنوب.
والتوبة الصادقة من المعاصي – أياً كان
الذنب – مقبولة عند الله تعالى؛
إذا اجتمعت فيها شروطها، وهي: الإقلاع
عن الذنب، والندم على ذلك، والعزم
على عدم العودة إليها.
واستدلوا
على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع (قال الإمام ابن القيم رحمه
الله:
(والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر؛ بنص القرآن والسنة وإجماع السلف
وبالاعتبار)
(مدارج السالكين) ج1، ص 342.).
قال تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا }
(سورة النساء، الآية: 31.) (قال
القرطبي رحمه الله: (لما نهى تعالى في
هذه السورة عن آثام هي كبائر، وعد
على اجتنابها التخفيف من الصغائر، ودل
هذا على أن في الذنوب كبائر
وصغائر، وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة
الفقهاء). (الجامع لأحكام
القرآن) ج 5، ص 104).
وقال: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
إِلاَّ اللَّمَمَ } (سورة النجم، الآية: 32).
وقال:
{ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا
يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} (سورة الكهف،
الآية: 49).
وقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن،
إذا اجتنبت الكبائر) ((رواه مسلم)
في كتاب (الطهارة) باب: (الصلوات الخمس
والجمعة إلى الجمعة ...).(قال
الإمام النووي رحمه الله: (فسمى الشرع ما
تكفره الصلاة ونحوها صغائر،
وما لا تكفره كبائر) (شرح النووي على صحيح
مسلم) ج 2، ص 85).
وعن
أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(اجتنبوا
السبع الموبقات) قالوا : يا رسول الله، وما هن؟ قال : (الشرك
بالله،
والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل
مال
اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) ((رواه
البخاري)
في كتاب (الوصايا) باب: (قول الله تعالى: وَآتُواْ الْيَتَامَى
أَمْوَالَهُمْ).
حكم
الإصرار على المعاصي:
أما الإصرار على المعاصي، والاستغراق فيها،
والاستمرار عليها، وعدم
الإقلاع عنها، وعدم الاستغفار والتوبة منها،
وعزم القلب عليها، أو الفرح
بفعلها؛ فحكمها عند أهل السنة والجماعة كحكم
مرتكب الكبائر، ويخشى على
صاحبه من سوء العاقبة؛ لأن المعصية عندهم
بريد الكفر، وهي مشتقة منه
وآيلة إليه، والإكثار منها ينبت النفاق في
القلب، وقد يؤدي إلى الوقوع في
الكفر والردة – والعياذ بالله – لأن
المعاصي – مع الإصرار والاستغراق
فيها – تحيط بصاحبها وتستولي على قلبه
وتطمسه؛ حتى لا يبقى فيه من
الإيمان شيء.
قال تعالى: { بَلَى مَن
كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (سورة البقرة،
الآية: 81).
وقال :
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ
أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن
يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا
فَعَلُواْ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ} (سورة آل عمران، الآية: 135).
وقال النبي صلى الله
عليه وسلم : (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن
على الرجل حتى يهلكنه)
((رواه الإمام أحمد في (المسند) ج1، ص 402 (مسند
عبد الله بن مسعود)
وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند؛ ج
5، ص 312 (3818)).
وقال
النبي صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه
نكتة
سوداء؛ فإذا نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن زيد فيها حتى تعلو
قلبه،
فهو الران الذي ذكر الله {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا
كَانُوا
يَكْسِبُونَ}) ((رواه الترمذي) في (أبواب تفسير القرآن) باب
(سورة ويل
للمطففين) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج3 ، ص 127.).
وقال
حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
(لا كبيرة مع الاستغفار،
ولا صغيرة مع الإصرار) ((جامع البيان) الإمام
الطبري: ج 8، ص 245.).
وقال
الصحابي الفقيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(إن المؤمن يرى ذنوبه
كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر
يرى ذنوبه كذباب مر
على أنفه) ((رواه البخاري) في (كتاب الدعوات) باب:
(التوبة)).
والصغائر
من المعاصي والذنوب؛ قد تتحول إلى الكبائر لأسباب نذكر منها:
1-
الإصرار والمداومة عليها.
2- استصغار المعصية واحتقارها.
3- الفرح
بفعل المعصية الصغيرة والافتخار بها.
4- فعل المعصية ثم المجاهرة بها؛
لأن المجاهر غير معافى.
5- أن يكون فاعل المعصية الصغيرة عالماً يقتدى
به؛ لأنه إذا ظهر أمام
الناس بمعصيته كبر ذنبه.
إن المعاصي والذنوب
عند أهل السنة والجماعة: تؤثر في الإيمان من حيث نقصه
بحسب قلتها
وكثرتها، لا من حيث بقاؤه وذهابه؛ فافتراق المعاصي بمفردها
والإصرار
عليها لا يخرج من الدين إن لم يقترن بها سبب من أسباب الكفر،
كاستحلال
المعصية، أو الاستهانة بحكمها سواء كان بالقلب، أو اللسان، أو
الجوارح.
آثار
المعاصي الوخيمة على العبد:
المعاصي والذنوب له من الآثار القبيحة
المذمومة المضرة بالقلب والبدن في
الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله
تعالى؛ فمنها(انظر : (الجواب الكافي
لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام
ابن القيم، بتصرف وتلخيص) :
1- حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه
الله تعالى في القلب، والمعصية تطفئ
ذلك النور.
2- وحشة يجدها العاصي
في قلبه، وبينه وبين الله تعالى، لا توازنها ولا
تقارنها لذة أصلاً.
ووحشة تحصل بينه وبين الناس، ولاسيما أهل الخير منهم.
3- تعسير أموره:
فلا يتوجه لأمر؛ إلا يجده مغلقاً دونه، أو متعسراً عليه.
4- ظلمة يجدها
في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل؛ فتوهن قلبه
وبدنه، وتحرمه
الطاعة.
5- أن المعاصي تقصر العمر، وتمحق بركته، والعياذ بالله.
6-
المعاصي تجر المعاصي، كما أن الطاعات تجر الطاعات.
7- المعاصي تصد عن
التوبة، وصاحبه أسير شيطانه.
8- تكرار المعاصي يورث القلب إلفها
ومحبتها؛ حتى يفتخر صاحبه بالمعصية
فلا يعافى؛ لأن المعصية تهون أختها
وتصغرها.
9- المعاصي تورث صاحبه الهوان عند ربه، وسقوط منزلته.
10-
شؤم المعاصي يعم الإنسان والحيوان والنبات.
11- المعاصي تورث الذل.
12-
المعاصي تفسد العقل وتذهب بنوره.
13- المعاصي تورث الطبع على القلوب،
وتوقع الوحشة فيه؛ فيكون صاحبه من
الغافلين.
14- الذنوب تورث العبد
لعنة الله تعالى ولعنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
15- الذنوب تورث
حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة.
16- المعاصي سبب
الخسف والزلازل وفساد البلاد والعباد.
17- المعاصي والذنوب تميت غيرة
القلب، وتذهب بحياءه، وتطمس نوره، وتعمي
بصيرته.
18- المعاصي والذنوب
تزيل النعم وتحل النقم.
19- المعاصي والذنوب مواريث الأمم الهالكة.