+----
-]center]نساء نصروا الدين
الحنيف :
زوجة الفراسة و الحياء زوجة موسى عليه السلام [/center]
يقول
ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة ؛ صاحب يوسف حين قال لامرأته: (أكرمي
مَثْوَاهُ) [يوسف:21]، وصاحبة موسى حين قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ)
[القصص: 26]، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.
ولكن ما الذي أخرج
موسى من مصر إلى أرض مدين في جنوب فلسطين؛ ليتزوج من ابنة الرجل الصالح،
ويرعى له الغنم عشر سنين ؟!
كان موسى يعيش في مصر، وبينما هو يسير في
طريقه رأى رجلين يقتتلان؛ أحدهما من قومه "بنى إسرائيل"، والآخر من آل
فرعون. وكان المصري يريد أن يسخِّر الإسرائيلي في أداء بعض الأعمال،
واستغاث الإسرائيلي بموسى، فما كان منه إلا أن دفع المصري بيده فمات على
الفور، قال تعالي: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ
أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ
وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ
عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِين)[القصص: 15].
وفى اليوم
التالي تشاجر اليهودي مع رجل آخر فاستغاث بموسى -عليه السلام- مرة ثانية
فقال له موسى: إنك لَغَوِى مُبين؛ فخاف الرجل وباح بالسِّرِّ عندما قال:
أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، فعلم فرعون وجنوده بخبر قتل موسى
للرجل، فجاء رجل من أقصى المدينة يحذر موسى، فأسرع بالخروج من مصر، وهو
يستغفر ربه قائلاً: (رَبِّ إني ظَلَمْتُ نفسي فَاغْفِرْ لي فَغَفَرَ لَهُ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص :16].
وخرج موسى من مصر،
وظل ينتقل حتى وصل إلى أرض مَدْين في جنوب فلسطين، وجلس موسى -عليه السلام-
بالقرب من بئر، ولكنه رأى منظرًا لم يعجبه؛ حيث وجد الرعاة يسقون ماشيتهم
من تلك البئر، وعلى مقربة منهم تقف امرأتان تمنعان غنمهما عن ورود الماء؛
استحياءً من مزاحمة الرجال، فأثر هذا المنظر في نفس موسى؛ إذ كان الأولى أن
تسقى المرأتان أغنامهما أولاً، وأن يفسح لهما الرجال ويعينوهما، فذهب موسى
إليهما وسألهما عن أمرهما، فأخبرتاه بأنهما لا تستطيعان السقي إلا بعد أن
ينتهي الرجال من سقى ماشيتهم، وأبوهما شيخ كبير لا يستطيع القيام بهذا
الأمر، فتقدم ليسقى لهما كما ينبغي أن يفعل الرجال ذوو الشهامة، فزاحم
الرجال وسقى لهما، ثم اتجه نحو شجرة فاستظل بظلها، وأخذ يناجى ربه: (رب إني
لما أنزلت إلى من خير فقير) [القصص: 24].
وعادت الفتاتان إلى أبيهما،
فتعجب من عودتهما سريعًا. وكان من عادتهما أن تمكثا وقتًا طويلا حتى تسقيا
الأغنام، فسألهما عن السبب في ذلك، فأخبرتاه بقصة الرجل القوى الذي سقى
لهما، وأدى لهما معروفًا دون أن يعرفهما، أو يطلب أجرًا مقابل خدمته، وإنما
فعل ذلك مروءة منه وفضلا.
وهنا يطلب الأب من إحدى ابنتيه أن تذهب
لتدعوه، فجاءت إليه إحدى الفتاتين تمشى على استحياء، لتبلغه دعوة أبيها:
(إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) [القصص: 25]. واستجاب موسى للدعوة،
فلما وصل إلى الشيخ وقصّ عليه قصته، طمأنه الشيخ بقوله: (لا تَخَفْ
نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[القصص: 25].
وعندئذ سارعت إحدى
الفتاتين -بما لها من فراسة وفطرة سليمة، فأشارت على أبيها بما تراه صالحًا
لهم ولموسى -عليه السلام-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِى الأَمِين)[القصص:
26]. فهي وأختها تعانيان من رعى الغنم، وتريد أن تكون امرأة مستورة، لا
تحتكّ بالرجال الغرباء في المرعى والمسقي، فالمرأة العفيفة الروح لا تستريح
لمزاحمة الرجال. وموسى فتى لديه من القوة والأمانة ما يؤهله للقيام بهذه
المهمة، والفتاة تعرض رأيها بكل وضوح، ولا تخشى شيئًا، فهي بريئة النفس،
لطيفة الحسّ.
ويقتنع الشيخ الكبير لما ساقته ابنته من مبررات بأن موسى
جدير بالعمل عنده ومصاهرته، فقال له: (إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى
ابنتي هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثماني حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ
عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ستجدني إِن
شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بيني وَبَيْنَكَ أَيَّمَا
الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَى وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ
وَكِيلٌ)[القصص :27-28].
ولـمَّا وَفَّى موسى الأجل وعمل في خدمة
صِهْرِه عشر سنين، أراد أن يرحل إلى مصر، فوافق الشيخ ودعا له بالخير، فخرج
ومعه امرأته وما أعطاه الشيخ من الأغنام، فسار موسى من مدين إلى مصر.
وهكذا
كانت زوجة موسى - رضي اللَّه عنها - نموذجًا للمؤمنة، ذات الفراسة
والحياء، وكانت قدوة في الاهتمام باختيار الزوج الأمين العفيف