لله جنود في الغرب يدافعون عن دينه.. ويرفعون رايته.. فيعلنون جمال هذا الدين وكماله..
وتساميه علي أحقاد أعدائه.. في شهادة حق لا تبتغي إلا الإنصاف..
ولهذا.. هؤلاء أنصفوا الإسلام.
مونته Montet أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف من كتبه "محمد والقرآن"
وترجمة جيدة للقرآن و"حاضر الإسلام ومستقبله" و"الإسلام والحضارة العربية".
يقول: إن طبيعة محمد - صلي الله عليه وسلم - الدينية تدهش كل باحث مدقق
نزيه المقصد بما يتجلي فيها من شدة الاخلاص فقد كان محمد مصلحاً دينياً ذا
عقيدة راسخة ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرآً وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة
العظيمة التي جعلته من أسطع الأنوار الانسانية في الدين.
وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في
بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كباراً جداً في
تاريخ قومهم ولقد جهل كثير من الناس محمداً - صلي الله عليه وسلم - وبخسوه
حقه وذلك لانه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم
بدقائقها.
كان محمد - صلي الله عليه وسلم - كريم الأخلاق حسن العشرة. عذب الحديث.
صحيح الحكم. صادق اللفظ. وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم
وصراحة اللفظ والاقتناع التام بما يعمله ويقوله.
ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد - صلي الله عليه وسلم
- وان ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم
المحسنين للانسانية.
لا مجال للشك في اخلاص الرسول - صلي الله عليه وسلم - وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره.
جمع محمد - صلي الله عليه وسلم - قبل وفاته كلمة العرب وبني منهم أمة
واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد فكانت في ذلك آيته الكبري.. ومما
لا ريب فيه ان محمداً - صلي الله عليه وسلم - أصاب في بلاد العرب نتائج لم
تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام ومنها اليهودية والنصرانية
ولذلك كان فضله علي العرب عظيماً.
إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد - صلي الله عليه وسلم -
من أعظم من عرفهم التاريخ وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمداً - صلي الله
عليه وسلم - مع أن التعصب الديني أعمي بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف
بفضله.
استطاع محمد - صلي الله عليه وسلم - أن يبدع مثلاً عالياً قوياً للشعوب
العربية التي لا عهد لها بالمثل العليا. وفي ذلك الإبداع تتجلي عظمة محمد
- صلي الله عليه وسلم - علي الخصوص.. ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم
في سبيل هذا المثل الأعلي.
لا شيء أصوب من جمع محمد - صلي الله عليه وسلم - لجميع السلطات المدنية
والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن
نقدر قيمة ذلك بنتائجه. فقد فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا
قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد - صلي الله عليه وسلم -.
ما كان محمد - صلي الله عليه وسلم - كآحاد الناس في خلاله ومزاياه وهو
الذي اجتمعت له آلاء الرسل - عليهم السلام - وهمة البطل فكان حقا علي
المنصف أن يكرم فيه المثل ويحيي فيه الرجل.. لا تأليه ولا شبهة تأليه في
معني النبوة الإسلامية.. وقد درجت شعوب الأرض علي تأليه الملوك والأبطال
والأجداد.. فكان الرسل أيضا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية
بسبب من الأسباب. فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا في الرسول
أو النبي انه ليس بشراً كسائر البشر وان له صفة من صفات الألوهية علي نحو
من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواتراً مكرراً في آيات القرآن.
نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر "قل انما أنا بشر مثلكم يوحي إلي" -
الكهف .110
وفي تخير كلمة "مثلكم" معني مقصود به التسوية المطلقة والحيلولة دون
الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوي البشرية بحال من الأحوال بل
نجد ما هو أصرح من هذا المعني فيما جاء بسورة الشوري: "فان أعرضوا فما
أرسلناك عليهم حفيظا ان عليك إلا البلاغ" - الشوري .48 وظاهر في هذه الآية
تعمد تنبيه الرسول نفسه - صلي الله عليه وسلم - إلي حقيقة مهمته. وحدود
رسالته التي كلف بها وليس له أن يعدوها كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها.