تعتبر متلازمة القولون المتهيج، أشيع الاضطرابات الهضمية في الولايات المتحدة الأميركية. وان ما يزيد عن 30 إلى 40% من الأشخاص الذين يراجعون العيادات الهضمية يعانون من متلازمة القولون المتهيج.
يتميز هذا الداء بألم بطني أو عدم ارتياح يرافقه إمساك أو إسهال، ومن الأعراض الأخرى النفخة والتغوط المخاطي. الأعراض إما أن تكون خفيفة ومتقطعة أو شديدة ومستمرة ومقعدة تعيق المرضى عن ممارسة عملهم ونشاطهم الاجتماعي. فهذه المتلازمة قد تؤثر بشكل كبير على نوعية حياة المرضى، وبما أن الأعراض هي في معظمها من النوع الذي يخجل الناس من التحدث حوله، فإنهم يعانون من مرضهم بصمت.
كان يعتقد في الماضي بأن هذه المتلازمة هي من الاضطرابات الجسمية ـ النفسية، ومن السهل تفسير ذلك، إذ أن الجهاز الهضمي هو مرآة لحياتنا. في حين كانت تعزى الأعراض إلى الشدة أو مشاكل نفسية أخرى، إلا أن هذه المتلازمة هي حالة حقيقية تماما.
وفي الوقت الحاضر، بين الباحثون وجود حساسية زائدة في الأمعاء، وبذلك يمكن للشدة والأطعمة وعوامل أخرى أن تفاقم متلازمة القولون المتهيج، لكنها لا تسببها. والسبب الحقيقي لهذه المتلازمة غير معروف، ولكن التفكير الحالي يشير إلى ضلوع الجهاز العصبي للأمعاء، الذي أطلق عليه العلماء اسم الدماغ الثاني، وهو جهاز عصبي لا يقل تعقيدا عن الدماغ. وكما هو الحال في الدماغ يلعب السيروتونين Serotonin دورا مهما في وظيفة الجهاز العصبي للسبيل الهضمي. إذ يوجد حوالي %95 من السيروتونين في الأمعاء و%2 فقط في الدماغ والباقي يوجد في الصفيحات الدموية. وقد وجد أن بعض مضادات الكآبة فعالة في معالجة متلازمة القولون المتهيج ويعود ذلك لعلاقتها بالسيروتونين.
وبسبب وجود كمية كبيرة من السيروتونين في الأمعاء، تكون الجرعات الفعالة من مضادات الكآبة لمعالجة هذه المتلازمة أقل من الجرعات المستخدمة في معالجة الاكتئاب. وقد نشرت دراسات كثيرة حول فعالية مضادات الكآبة الثلاثية الحلقة في معالجة متلازمة القولون المتهيج، إلا أنه لم تنشر أي دراسة حول فعالية مضادات الكآبة المعروفة بمثبطات عود اقتناص السيروتونين الانتقائية، لكن هذه المثبطات تستخدم سريريا لمعالجة متلازمة القولون المتهيج، وقد حققت الراحة لبعض المرضى. ربما يعاني مرضى متلازمة القولون المتهيج من ألم وعدم ارتياح بعد الطعام لأن الأكل يحرّض عمل الأمعاء، وربما يكون لدى بعض المرضى عدم تحمل لبعض الأغذية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الأعراض عند تناول هذه الأطعمة. وهنا يكون من المنطقي استبعاد كل تلك المأكولات، وينصح بشكل عام بحمية غنية بالألياف، فالألياف تمتص السوائل وتجعل البراز أكثر تماسكا إذا كانت المشكلة هي الإسهال. أما في حالة الإمساك، فإن الألياف تجعل الكتلة البرازية أكثر ليونة وأسهل عبورا. ومن المهم أيضا شرب كميات كافية من السوائل، زد على ذلك ضرورة اتباع حمية قليلة الدسم لأن الأطعمة الدسمة تؤدي إلى حدوث مزيد من المغص والتشنج. وفي حين أن متلازمة القولون المتهيج لا تنجم عن القلق والكآبة، إلا أن هذه الحالات تفاقم المتلازمة لدى الأشخاص المستعدين. لذلك يجب توجيه الاهتمام عند المعالجة نحو كلا الناحيتين الفيزيائية المعوية،والنفسية، التي تشمل المعالجة السلوكية وتمارين الاسترخاء. فالأمعاء مرآة لأنفسنا تتوتر وتتشنج لكآبتنا وحزننا وتسترخي لفرحنا وسعادتنا